تقارير

“تكتب فتأسر القلوب، تُنشد فتُحيي الروح، وترسم عوالم من خيال.”

بقلم: حنان حسن

أنا ريم محسن، أبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، من محافظة الجيزة، متعددة المواهب؛ أُجيد الإنشاد والرسم والكتابة، وكنت أعزف في الماضي، غير أنّ ما أمارسه اليوم على نحوٍ خاص هو الكتابة، وإن كنت قد توقفت عنها منذ عام بسبب الدراسة.

اكتشفت شغفي بالفنون منذ طفولتي؛ فكانت بدايتي مع الرسم والإنشاد في سن السادسة، ثم تعلّمت العزف في الثامنة، قبل أن يمنّ الله عليّ ويهديني إلى اعتزاله تمامًا. أما الكتابة، فقد جاءت متأخرة نسبيًا، منذ ثلاثة أعوام فقط، لكنها سرعان ما غدت جزءًا عزيزًا من عالمي الإبداعي.

كان الفن حاضرًا في حياتي منذ نعومة أظفاري، فقد نشأت في بيئة يحيطها الإبداع بأشكاله المتنوعة من ألحانٍ وغناءٍ وكلمات. ومع ذلك، لم تخلُ طفولتي من التحديات القاسية التي جعلتني أنضج أسرع من سني، فكان الفن حينها وسيلتي للتعبير عمّا يختلج في داخلي. ومع مرور الوقت، مَنَّ الله عليّ بتصحيح مساري، فأصبحت أعبّر عن مشاعري وأفكاري بطرق أسمى وأقرب إلى رضاه؛ فأضحى ملاذي الآن الإنشاد الهادف لربي ولنَفسي، والكتابة، والرسم المباح، وكل ما يقربني منه سبحانه.

كان والدي الداعم الأول لمواهبي منذ طفولتي؛ إذ كان يحرص على تنميتها وإبرازها بدافع حبه وحرصه على مستقبلي. ورغم أنّ بعض تلك المسارات لم تكن صوابًا، فقد مَنّ الله عليّ بالاعتزال عنها، وما زال والدي يحترم اختياري هذا، ويشجعني اليوم على ما أقدمه في مجال الكتابة والفنون المباحة.

الكتابة هبة من الله، منحني إياها بغير استحقاق. فهي قبل أن تكون شغفي وملاذ قلبي، تعد جزءًا كبيرًا من رسالتي في الحياة؛ أكتب لأشفى وأشفي من حولي، لتعلو كلمة الحق، لتنقذ حروفي روحًا على وشك الانهيار، لتجبر قلبًا منكسرًا، ولتؤنس قلبًا وحيدًا تاه وسط الزحام.

أما عن أسلوبي، فلا أعرف عنه سوى أنه يخرج من قلبي، وهذا وحده يكفيني؛ أن يكون صادقًا. وأميل في إطار الكتابة إلى الخواطر الدينية والتحفيزية، والحديث عن القضايا الأخلاقية والمبادئ السامية ونهوض الأمة، وعن ذلك الحزن النبيل الذي يضفي دفئًا على القارئ، فيجعله يشعر أن مشاعره مُقدَّرة ومفهومة. كما أكتب القصص القصيرة، والاسكربتات، والروايات الهادفة التي تحمل رسالة.

إحساسي وأنا أكتب أو أنشد، كلاهما يطلقان عنان روحي في السماء. حين أنشد، أنظر إلى السماء فأشعر وكأنها تبتسم لي، وأن الله يسمعني ويفرح بصوتي. وحين أكتب، أخفِّف عن قلبي حملًا ثقيلًا، فيتسرب إليه السكون شيئًا فشيئًا، من فيض الشوق والشغف الذي يعتصرني، ومن إلحاح الرغبة العارمة في أن أحقق رسالتي.

لم يكن الرسم يومًا منفصلًا عن باقي فنوني، بل كان مكمِّلًا لها ويصبّ في رسالتي في الحياة. غير أنّي حين علمت بوجود شبهة في بعض مجالاته، أوقفته مؤقتًا، وأفكر في استثماره مستقبلًا بما يتفق مع القيم التي أؤمن بها، حين تتاح الفرصة.

أما العزف، فقد تركته تمامًا، وأغلقت أبوابه بإحكام، وأقمت بيني وبين الحرام سياجًا من العزم، حتى لا تجرّني لحظة ضعف. فكيف أحب شيئًا يكرهه خالقي؟ وكيف أجد لذة فيما يمقته الله؟! بل إن يقيني يزداد كلما وجدت نفسي في مكان تُفرض فيه الموسيقى رغمًا عن إرادتي، فأدرك أننا كنّا يومًا في غفلةٍ حالكة، نسمي الضياع سعادة، ونظن الوجع متاعًا، وما هو إلا سمٌّ يفسد القلب، وزينة زائلة ترهق الروح.

واليوم… أحمد الله الذي أكرمني بنعمة البصيرة في ربيع شبابي، لأرى بعين اليقين أن السعادة الحقيقية لم تكن يومًا إلا في القرب منه، وما كان لله فباقٍ لا يزول.

لقد كنت أعزف أساسًا على الإيقاع أو ما يُعرف بـ”الطبلة”، وتميزت فيه حتى حصلت على مراكز أولى، وشاركت في مهرجانات وبرامج شهيرة، وكنت أصغر طفلة عازفة إيقاع في مصر. كما جربت العزف على البيانو والأكسرفون والربابة. غير أنّ الله منّ عليّ بالهداية، فتركت ذلك كله، وأسأله أن يغفر لي ما مضى ويجعله عبرة ونقطة انطلاق في طريقي إلى رضاه وخدمة دينه.

طوال مسيرتي واجهت انتقادات وشكوكًا كثيرة، لكنني تعلمت منذ صغري أن أثق بالله أولًا، ثم بما وهبني من قدرات، وأدركت أنه لا يخلق شيئًا إلا وفيه الإبداع والدهشة. لذلك صرت واثقة من نفسي ومن قدرتي على العطاء. ورغم ما اعترضني من صعاب، من فقدان الشغف أحيانًا، وانشغال بالدراسة، وتشتت وضياع الطريق، وأزمات نفسية… فإنني دائمًا أستعين بالله، وأبحث عن الحلول، وأركز على تطوير نفسي لتخطي العقبات والمضي قدمًا.

أحلامي أن أبلغ أعلى المقامات عند الله، وأن أواصل مسيرتي الفنية والشخصية في مرضاته، وأن أكتب وأرسم كل ما ينفع الناس ويُظهر عظمة خلقه ونعمه. كما أتمنى أن أستكمل دراستي في العلوم الشرعية والدنيوية، لأكون داعية مؤثرة في القلوب، أساهم في بناء جيلٍ جديد تنهض به الأمة.

أرجو أن يذكرني الناس بمحاسن أخلاقي ونقاء قلبي وطيب أثري، وأن أكون قد نقلت ما تعلمته وما منّ الله به عليّ قبل رحيلي. أريد أن أترك بصمة إيجابية في هذا العالم، وأن أعمر الأرض بما أستطيع كما أمرني الله، وأن أكون رحيمة بالناس، سببًا لسعادتهم في الدنيا والآخرة. وما ذلك على الله بعزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى