
كتبت: إسراء عبدالله
المصدر: يديعوت أحرونوت
كانت ليلة تاريخيّة. مرّ كثير من الليالي خلال الأيام الماضية، وهناك كثير من المحطّات البارزة خلال العام والـ 8 أشهر الفائتة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لكن هذه الليلة كانت مختلفة؛ فتقدير حجم الضربة الأميركية في “فوردو” و”نتانز” و”أصفهان” سيستغرق وقتاً طويلاً، وحرب الروايات بشأنها ستكون أطول.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة الأميركية لا تقصف المواقع النووية الإيرانية كُل يوم، ولا نشهد في كُل عقد من الزمن دعم القوّة الأعظم في العالم لإسرائيل بهذا الحجم، ولا نرى في كُل جيل من الأجيال خطوة تغيّر شكل المنطقة برمّتها.
من المُهم أن نفهم أن دلالات ما جرى تتعدّى كثيراً البُعد العسكري؛ فالحرب بين إسرائيل وإيران هي إحدى الحروب القليلة التي تدور بين دولتين ليست لديهما حدود مشتركة منذ الحرب العالمية الثانية، وجذر الصراع ليس جغرافياً، إنما هو أيديولوجي، وما يفصلهما ليس سياجاً إنما القيم لذلك، وبالتالي، فإن انضمام الولايات المتحدة إلى الهجوم الاستباقي على إيران هو أبعد من مجرّد دمج أذرع عمليّاتية، فهو بمثابة إعلان يُعيد تأطير المواجهة الحالية.
وليست القدس وطهران وحدهما في حالة حرب، بل أيضاً رؤى مُختلفة؛ فالحرب لا تدور فقط بين إسرائيل وإيران، بل أيضاً بين الشرق والغرب.
لذلك، فإن ما نراه هُنا ليس فقط مكانة الولايات المتحدة العسكرية أو الدبلوماسية، إنما صورتها أيضاً، وبصورة لا تقلّ، صورة دونالد ترامب.
وتضعنا وجهة النظر هذه أمام 3 استنتاجات فوريّة:
أولاً، أن البرنامج النووي لم يفكَّك بالضرورة، لكنه تأجّل لفترة أبعد من أن نستطيع تقديرها، وهذا لِمَنْ يُريد فهم الواقع والماضي، لكنه أساساً يصلح لِمَنْ يُريد النظر إلى المستقبل؛ فحتّى لو لم يتم ضرب مواقع مُحدّدة، أو تم إخفاء اليورانيوم المخصّب عن الطائرات الأميركية، فالنسر الأميركي في الجو، ولن يهبط حتّى يتأكّد من إبادة الفريسة.
ويجب أن نقدّم الشكر، ليس فقط إلى الإدارة الأميركية، بل أيضاً إلى المستوى السياسي والعملياتي في إسرائيل الذي سمح بذلك بذكاء وحكمة.
الاستنتاج الثاني؛ صحيح أن الطريق الإسرائيلي واضح أكثر، لكنه لا يزال طويلاً، فالبرنامج النووي الإيراني هو أداة وليس هدفاً، إنما الهدف هو إبادة إسرائيل.
واستناداً إلى البيانات التي صدرت عن المسؤولين الإسرائيليين صباحاً، فإننا يمكن أن نخطئ في اعتقاد أن الحملة انتهت. وقد صرّح رئيس الحكومة بأننا “توصّلنا سوياً إلى إنجازات غير مسبوقة”، وكأنها حدثت في الماضي.
أمّا وزير الدفاع، فقد استعمل جدولاً زمنياً مشابهاً، وهنأ رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “قاد حملة شعب كالأسد”.
لكن نظام الملالي لا يزال موجوداً، وإن بقي صامداً وعادت الطائرات إلى مواقعها في ميسوري، فإن تجدد المصائب مرّة أُخرى ليس إلاّ مسألة وقت، حتّى لو مر جيل كامل حتّى ذلك الوقت.
والاستنتاج الثالث الذي لا يقل أهمية هو أن العيون يجب أن تكون الآن متّجهة صوب موسكو وبيكين، القوتين اللتين تقودان الكتلة الشرقية، ولديهما علاقات وطيدة مع إيران.
لا وبالتالي، فإن ضرْبَ إيران ليس مجرّد ضرب لهامش هذا المعسكر، بل أيضاً هو تحذير من دعم الأنظمة التي تضر بحلفاء أميركا، وقِيَمِهَا، وطريقها.
روسيا والصين امتنعتا من دعْم إيران بصورة واضحة في هذه المعركة، وهذا ليس اعتباطياً، وليس نظام الملالي بالضرورة الجهةَ التي من أجلها سيزعزعان التوازن العالمي بينهما وبين الولايات المتحدة.
كما أن عضوية الدول الثلاث الدائمة في مجلس الأمن ستشكل فرصة لرؤية ما إذا كان هذا سيتجلى عبر صدور قرار يطالب بوقف الحرب، لكنه أيضاً يمنع إيران من تطوير النووي، الأمر الذي يُشير إلى أن الثلاثة قرّروا التضحية بطهران على مذبح الاستقرار المشترك. والامتناع من تطبيق القرار سيُشير إلى أن المعركة لا تزال بعيدة عن النهاية.
بعد الإنجازات والحديث عن الدلالات، يجب أن نتذكّر السياق في يوم السبت الذي أَدْخَلَنَا جميعاً واقعاً لا عودة منه؛ إسرائيل تعمل بشجاعة ومع تبريرات تاريخيّة داخل منطقة سياديّة لدولة أُخرى، لكن سيادتنا أيضاً تُنْتَهَكُ ما دام المخطوفون لا يزالون في الأَسْر، وإذا لم نحل هذه الجبهة، فإننا لن نستطيع المِضِي قدماً. التاريخ الإسرائيلي لا تكتبه الطائرات، إنما الضمانات المتبادلة.






