سياسة

هل ترحب سوريا يومًا بعودة اليهود إليها؟

اخبار نيوز بالعربي

قصة هروب عائلتي إلى لبنان ثم المكسيك قبل أكثر من نصف قرن.
مقال رأي لإيلي عبادي في صحيفة وول ستريت جورنال

“يهودي، مسلم، مسيحي، جميعهم هنا”، هكذا أعلنت صحفية من BBC بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، لكن اليهود لم يعودوا هناك.

عائلتي هربت من سوريا قبل عقود لإنقاذ حياتها، وربما لم يتبقَّ للمسيحيين وقت طويل أيضًا اليوم.

الأقليات لم تكن محمية تحت الأنظمة السابقة، وأخشى أن تواجه المصير ذاته تحت حكم القادة الجدد للبلاد.

عاش اليهود في حلب لآلاف السنين، وشكّلت الجالية اليهودية في سوريا حلقة وصل مركزية في السلسلة المستمرة للحضور اليهودي عبر الهلال الخصيب، الممتد من إسرائيل القديمة إلى بابل.

بعد وقت قصير من صدور قرار الأمم المتحدة عام 1947 لصالح إقامة دولة يهودية، اندلعت أعمال شغب معادية لليهود في حلب، وأُضرمت النيران في الكنس، ونُهبت المحال والمنازل اليهودية، واضطر آلاف من يهود حلب إلى الفرار من البلاد.

خاطر العديد من أفراد الجالية اليهودية بحياتهم للهروب من الاضطهاد من عام 1947 إلى تسعينيات القرن الماضي، وانتهت العديد من محاولات الهروب بمآسٍ، حيث تعرض اليهود الأبرياء للتعذيب والقتل.

سمح الرئيس حافظ الأسد (والد بشار) لهم بالمغادرة مقابل ملايين الدولارات نقدًا في تسعينيات القرن الماضي، وبعد أن عانت الجالية ما يقرب من خمسين عامًا من السجن، ولم يتبقَّ في سوريا اليوم سوى ثلاثة يهود يعيشون في دمشق، من مجتمع يهودي بلغ تعداده حوالي ثلاثين الفاً في عام 1948.

فرّ والداي بعد أن بدأت الحشود، بدعم من الشرطة، بحرق الكنس ومخطوطات التوراة فيما أصبح يُعرف باسم “الحرائق”.

في ذلك اليوم عام 1947، دخل مثيرو الشغب السوريون المبنى الذي كان يعيش فيه والداي، وكان بجوار الكنيس مباشرة، وسمعت أمي صرخات، وشاهدت اليهود يتعرضون للضرب، ويتم تدمير ممتلكاتهم، ونهب متاجرهم، وتخريب أعمالهم التجارية.

كان الهروب محفوفًا بالمخاطر: فالسلطات كانت عازمة على إبقاء اليهود مسجونين واختبأ والداي في منزل أجدادي، ثم قام كل منهما بمحاولة منفصلة للوصول إلى الحدود.

كانت أمي تسافر مع أخي المريض، وكانت بحاجة إلى تصريح طبي للخروج، فاصطحبت إخوتي الأكبر سنًا إلى جبال لبنان، أما والدي، فسلك طريقًا مختلفًا في هروبه، وتم القبض عليه مرات عدة، لكنه لم يتخلَّ عن سعيه للانضمام إلى عائلته.

وعندما اعتقد أنه قد فشل تمامًا، أعطاه ضابط شرطة سوري كان مكلفًا باعتقاله فرصة نجاة.. قال له الضابط: “انظر، السلطات تطاردك لأنك حاولت الهروب مرات عدة، ولدي أوامر باعتقالك، وسأعود غدًا لاعتقالك”.

لم يكن والدي بحاجة إلى تلميح أقوى من ذلك، فاستقل قطارًا إلى لبنان تلك الليلة، واستعان بمساعد قائد القطار الذي كان يعرفه أيضًا.

أخفاه قائد القطار في عربة ماشية، وأخبره أنه لا يستطيع التنفس أو العطس أو التحرك وإلا سيتم القبض عليهما وقتلهما.

بمجرد وصولهم إلى الحدود، قفز والدي من القطار المتحرك وسقط في وادٍ. لقد سافر ليلًا لتجنب أن يُكتشف، وفي النهاية اجتمع مع والدتي وأشقائي.

لقد ترك كل شيء خلفه—المنزل، الأثاث، العمل، الملابس والممتلكات، وكل ما كان لديه حقيبة صغيرة والثياب التي كان يرتديها، ولو أُلقي القبض على والدي، لما كنت هنا لأروي القصة، ولما كنت قد وُلدت.

كان وضعنا في لبنان دائما كلاجئين بالرغم من أن لبنان كان هادئًا نسبيًا، حيث لم نستطع التنقل في البلاد بدون بطاقات هوية اللاجئين وسُمح لنا بالعيش في لبنان، لكن ليس كمواطنين أحرار.

وعانينا من المضايقات، التمييز والخوف من الاضطهاد على مدار السنوات الـ22 التالية، وكنا نخفي هويتنا معظم الوقت.

وبعد أيلول الأسود عام 1970، عندما تم طرد الفلسطينيين من الأردن وانتقلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان، شعرت الجالية اليهودية في لبنان بالتهديد وبدأت في الفرار، وغادرنا لبنان أخيرًا مثل العديد من العائلات اليهودية الأخرى، وتمكنا من الهجرة إلى المكسيك في عام 1971، تاركين وراءنا حياة وتاريخًا يمتد لآلاف السنين في بلاد الشام.

هل ستصبح سوريا يومًا ما وطنًا لليهود مرة أخرى؟ وماذا عن الأقليات الأخرى؟

إن الصدمة، والاضطهاد، والتمييز الذي عانت منه الجالية اليهودية هناك ما زال يعشش في أذهاننا ونفوسنا.

سألت والدتي وأشخاصًا مسنين آخرين إذا كانوا سيعودون، وقال القليل منهم إنهم سيذهبون للزيارة؛ لكن معظمهم قالوا إنهم لن تطأ أقدامهم سوريا مجددًا، ومع ذلك، يصلي الجميع من أجل أن يجد سكان المنطقة—وخاصة الفئات السكانية الضعيفة—الهدوء والاستقرار والسلام.

+ الحاخام عبادي هو رئيس مشارك لمنظمة “العدالة لليهود من البلدان العربية”، والحاخام الأكبر الفخري لمجلس اليهود في الإمارات العربية المتحدة ورابطة الجاليات اليهودية في الخليج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى