
كتبت: إسراء عبدالله
في أواخر شهر يوليو تموز الماضي، اعتقد ثلاثة رجال يعملون بالسر ومكلفون بمهمة شبه مستحيلة أنهم على وشك تحقيق اختراق.
وصل رئيس المخابرات الأمريكية ورئيس المخابرات المصرية ورئيس وزراء قطر في يوم صيفي إلى فيلا خاصة مملوكة لقطر في العاصمة الإيطالية روما،
مقتنعين بأن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس كان قريبًا للتحقق بشكل مثير.
لقد عمل المفاوضون بلا هوادة على دفع حماس واسرائيل وإقناعهما والضغط عليهما
لقبول اتفاق من شأنه أن يضمن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وإنهاء الحرب بشكل دائم في الجيب الفلسطيني المحاصر.
كان الثلاثي يعرفون بعضهم البعض منذ سنوات، فمدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز هو دبلوماسي أمريكي مخضرم يخدم رابع رئيس أمريكي،
وقد كلف من قبل جو بايدن بإنهاء حرب قسمت الحزب الديمقراطي وأثارت الاضطرابات في حرم الجامعات الأمريكية.
وقد ساعد الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني،
صاحب الصوت الهادئ، في ترسيخ مكانة دولة قطر الغنية بالغاز كوسيط في العديد من الأزمات،
وكان اكثر الناس اهتماما لإنهاء حرب تجري في حديقة بلاده الخلفية.
كما كان هناك عباس كامل، الجنرال المصري الذي يعمل عادة من الظل، والذي كان صاحب الحافز الأكبر للعب دور صانع السلام:
فقد كانت مصر تشك منذ فترة طويلة في أن نية إسرائيل في غزة تتمثل في إجبار مليوني فلسطيني هناك على عبور الحدود إلى بلاده.
كانت العلامات تبشر بالخير في هذا الاجتماع،
فقد ابلغهم كبير المفاوضين في حماس إسماعيل هنية، الزعيم السياسي للجماعة الذي عاش في المنفى في الدوحة،
في وقت سابق من ذلك الشهر، أن المسلحين الفلسطينيين على استعداد لتخفيف موقفهم تجاه أحد المطالب الرئيسية للجماعة،
وإزالة حاجز كبير أمام التوصل إلى اتفاق.
كان هنية هو الوسيط مع يحيى السنوار، العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر وأكثر الرجال المطلوبين لدى إسرائيل،
وكان السنوار، الذي اختبأ في أنفاق غزة، يستخدم تقنية اتصالات معقدة،
تؤدي إلى ان يستغرق الأمر من يوم أو يومين إلى أسبوعين لتمرير الرسائل ذهابًا وإيابًا بين الطرفين.
لكن اجتماع روما لم يسير كما هو مخطط له، فقد قدم كبير المفاوضين الإسرائيليين ديفيد برنياع، رئيس وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد،
وثيقة “توضيحية”، كما يقول دبلوماسي مطلع على المحادثات، وسرعان ما تبدد أي تفاؤل، وأصبح المزاج “متوتراً للغاية”.
لقد قررت اسرائيل اتخاذ موقف متشدد، وأصبح شريط من الأرض على طول الحدود بين غزة ومصر هو العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تراجع عن التأكيدات التي قدمتها إسرائيل للوسطاء بأنها ستسحب قواتها من ممر فيلادلفي،
وهو شريط يبلغ طوله 14 كيلومتراً ويمتد على طول الحدود التي تشترك فيها غزة مع مصر، وفقاً لمسؤول مشارك في المفاوضات.
يشمل ممر فيلادلفي، معبر رفح، وهو نقطة الخروج والدخول الوحيدة إلى الجيب الذي لم تسيطر عليه إسرائيل قبل الحرب.
تعمقت حالة اليأس بين الوسطاء بعد ثلاثة لايام، حيث تعرضت المحادثات لضربة أخرى تمثلت في اغتيال هنية في هجوم يعتقد ان اسرائيل تقف ورائه،
وقتل في انفجار في دار الضيافة التي تديرها الدولة في طهران، بعد ساعات فقط من حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
كان مقتل المفاوض من حماس جزءاً من سلسلة من الأحداث التي من شأنها أن توسع الصراع، بدلاً من احتوائه، كما خطط الرجال الثلاثة.
اعتقدت الدول الغربية والعربية منذ البداية أن إبرام اتفاق لوقف الصراع في غزة هو السبيل الوحيد لمنع الحرب الشاملة في الشرق الأوسط.
بالنسبة لبعض المشاركين في الوساطة، كانت الأحداث في يوليو/تموز بمثابة علامات على ما كانوا يخشونه منذ فترة طويلة:
لم يكن لدى نتنياهو أي نية للموافقة على وقف إطلاق النار، بل كان عازمًا على إفشال العملية، وتقويض برنياع من خلال طرح شروط جديدة مرارًا وتكرارًا.
يقول مسؤول مشارك في المفاوضات: “مع استمرار الجهود والعمل من قبل الوسطاء،
في ظل هذه الظروف المعقدة والمعقدة… أصبح من الواضح أن نتنياهو يعمل بجد لتخريب هذه الجهود”.
وصلت المحادثات إلى طريق مسدود منذ اجتماع يوليو/تموز في روما،
واقترب الشرق الأوسط أكثر فأكثر من الحرب الأوسع التي كان الوسطاء يأملون في تجنبها
في الوقت الذي احيا فيه اسرائيل الذكرى القاتمة لهجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول،
والذي قتل خلاله المسلحون 1200 شخص وأسروا 250 رهينة، كما لا تزال المفاوضات “بعيدة اليوم عن التوصل إلى اتفاق”،
كما يقول المسؤول المشارك في المفاوضات، ويقول شخص آخر مطلع على الجهود الدبلوماسية:
“لقد فقدنا جميعًا الأفق ولا نعرف إلى أين نتجه،
وكأننا في البحر المفتوح دون رؤية الشاطئ”.