
كتب: عبدالرحمن عمران
قبل 60 عاماً التقى فى فندق فالدورف أستوريا فى نيويورك رجلان:
المستشار الألمانى كونراد أديناور ورئيس الوزراء الصهيونى ديفيد بن غوريون. ووضع الرجلان حجر الأساس لعلاقة ألمانية صهيونية، كان لا يمكن تصورها فى الواقع.
على الجانب الألمانى كان الإهتمام بالدولة اليهودية الحديثة ضعيفاً،
وأظهر إستطلاع للرأى لمعهد فى الينسباخ أنه فى بداية الخمسينات كان هناك 11% فقط من المستطلعة آراؤهم يؤيدون تعويضا مالياً لليهود.
والكاتب الصهيونى المعروف أموس أوس لخص الرابطة الخاصة بين البلدين مرة عندما إستشهد بوالدته التى قالت:
“إذا لم يسامح الألمان أنفسهم، فإننا ربما نسامحهم بعض الشئ فى مرحلة ما، لكن إذا سامحوا أنفسهم،
فإننا لن نسامحهم” وبالنظر الى فإن معيشة نحو عشرة آلاف يهودى اليوم فى برلين؛
تبدو قصة نجاح غير مسبوقة، وهناك تعاون علمى وثيق بين البلدين وبرامج تبادل لا حصر لها تربط البلدين.
فى صباح أول ذكرى سنوية لرد فعل حماس على الأرض المحتلة دعا الرئيس الصهيونى العالم الى “مساندة” بلاده،
فيما أعلنت حماس إطلاق صواريخ باتجاه الأرض المحتلة زعم الجيش الصهيونى إعتراضه ثلاثة منها وسقوط الرابع بمكان غير مأهول.
مع مرور عام على إندلاع الحرب فى 7 أكتوبر تشرين الأول من العام الماضى، أعلنت القسام قصف تل أبيب برشقة من الصواريخ، فيما أفادت إذاعة الجيش الصهيونى
بأن 14 قذيفة صاروخية أطلقت من قطاع غزة، وأصدر الجيش الصهيونى أوامر إخلاء جديدة لبلدات ومناطق عدة شمالى قطاع غزة من بينها بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا.
فيما أكد أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، إستمرار المواجهة مع الصهيونية
وإستنزافها فى “معركة طويلة ومؤلمة ومكلفة طالما واصلت الصهيونية حربها”،
وفق تصريحاته
عام على رد فعل حماس على الضلال الصهيونى إعتبار ـ أمن الصهيونية “مصلحة عليا للدولة” لألمانيا،
عند الحديث بجدية فى الخطاب السياسى الألمانى حول العلاقة مع الصهيونية، يتم ذكر مصطلح “مصلحة عليا للدولة”
ولكن ماذا يعنى هذا المصطلح؟ وماذا عن تضامن المانيا مع الصهيونية فى الأوقات الصعبة؟ وكيف يرى الجانب الصهيونى ذلك؟
قال نوربرت لاميرت: “لا توجد علاقات مشابهة بين أى بلدين آخرين فى العالم”
وقد أوضح السياسى المعتق فى حزب الإتحاد المسيحى الديمقراطى والرئيس السابق للبرلمان الإتحادى الألمانى (بوندستاغ)
أنَّ: العلاقة بين المانيا والصهيونية مميزة وفريدة من نوعها.
واليوم، يعمل نوربرت لاميرت البالغ من العمر 75 عاماً رئيساً لـ”مؤسسة كونراد أديناور” المقرَّبة من حزب الإتحاد المسيحى الديمقراطى، وقبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الأولى لرد فعل حماس على الجرائم الصهيونية فى السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذى قُتل فيه نحو 1200عسكرى وإختطف فيه أكثر من 230 جندى كرهائن
– خصَّصت المؤسسة يوماً دراسياً لهذه العلاقة الفريدة – مع إنتقادات واضحة للحكومة الألمانية الإتحادية” الصهيونية قتلت شعباً، أقامت مستعمرات على أملاك شعب فلسطين، عبثت بالمقدسات الإسلامية والمسيحية”
من المعروف أنَّه فى التاريخ الألمانى قتل ستة ملايين شخص يهودى خلال الحقبة النازية، ولذلك يلخص السياسيون الألمان مسئولية المانيا الخاصة تجاه اليهود، التى أصبحت وطنًاً لهم الناجين، بعبارة واحدة: “مصلحة عليا للدولة”الألمانية، بيد أنَّ هذا المصطلح لا يظهر فى أى مكان ضمن القانون الأساسى الألمانى، أى الدستور.
فى شهر آذار/مارس 2008، كانت المستشارة الألمانية فى ذلك الوقت أنغيلا ميركل (من حزب الإتحاد المسيحى الديمقراطى) أوَّل رئيس حكومة أجنبى تحدَّث داخل الكنيست،
البرلمان الصهيونى، وشددَّت على أنَّ “كل حكومة المانية إتحادية وكل مستشار قبلى كانوا ملتزمين بمسئولية المانيا التاريخية الخاصة عن أمن اليهود، ومسئولية المانيا التاريخية هذه هى جزء من مصلة بلدى الوطنية ”
وهذا يعنى بحسب تعبيرها أنَّ أمن الصهيونية “غير قابل للتفاوض بتاتًاً بالنسبة لها كمستشارة المانية”
وكذلك يرد فى الإتفاق الإئتلافى لحكومة برلين الإئتلافية الحالية بقيادة الحزب الديمقراطى الإشتراكى SPD لعام 2021 ما يلى: “أمن الصهيونية مصلحة وطنية بالنسبة لنا”
ومنذ أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر الدموية، التى هزت الأرض المحتلة وزلزلتها حتى النخاع، صار السياسيون الألمان يشيرون أكثر الى هذه المصلحة الوطنية. وهذا ما فعله أيضاً خليفة ميركل المستشار أولاف شولتس (الحزب الديمقراطى الإشتراكى)
فقد قال شولتس فى بيان حكومى القاه فى البرلمان الألمانى (البوندستاغ) مؤكداً: “فى هذه اللحظة لا يوجد سوى مكان واحد تقف فيه المانيا، إنَّه بجانب الصهيونية
وهذا ما نعنيه عندما نقول إنَّ أمن الصهيونية هو مصلحة وطنية المانية” ولكن قرارات برلين السياسية تثير قبل هذا التأكيد وبعده غضب الصهيونية، مثلاً عند التصويت على قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالشرق الأوسط.
وفى إجتماع مؤسسة كونراد أديناور، ظهر رئيس المجلس المركزى لليهود فى المانيا، جوزيف شوستر، خائب الآمال. وقال: عند الحديث عن “مصلحة عليا للدولة” فإنَّ ذلك لا يتعلق فى الدرجة الأولى بتقديم دعم عسكرى
للصهيونية، بل “يتعلق أيضًا بالدفاع عن الصهيونية” وبحسب ملاحظته فإنَّ هذا الدفاع يتلاشى فى السياسة الألمانية، وإشتكى من زيادة التبريرات، وقد ذكر وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بالاسم.
يعتبر جوزيف شوستر منذ فترة طويلة بمثابة واعظ يعظ وينبِّه السياسة الألمانية، تزداد لهجته حدة، وعندما كرر – بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر
و معاداة السامية المنفجرة تقريباً فى المانيا – السياسيون الألمان وحتى الرئيس الألمانى الإتحادى التأكيد على أنَّ “هذا لن يحدث مرة أخرى!” رد شوستر على ذلك بقوله:
“هذا لن يحدث مرة أخرى الآن” وعندما تحدَّث بداية شهر تموز/يوليو فى مدينة بوتسدام أثناء إفتتاح كنيسها اليهودى الجديد، إشتكى من أنَّ الكتل النيابية فى البوندستاغ تفشل فى الإتفاق على إصدار قرار لحماية الحياة اليهودية فى المانيا وضد معاداة السامية،
وكان من بين المستمعين له وزيرة الخارجية بيربوك، وكان قد أُعلن عن حضور المستشار أولاف شولتس، ولكنه إعتذر قبل ساعات لأسباب تتعلق بمواعيده.
والآن وصف شوستر حقيقة أنَّ مثل هذا القرار ما يزال معلقًاً وحتى فى الذكرى السنوية لرد فعل حماس بأنَّها أمر “مخجل” وكذلك أشار شوستر الى المزاج الإجتماعى فى المانيا،
حيث إستمر إرتفاع عدد الهجمات المعادية للسامية فى الأشهر الأخيرة أيضاً، وأظهرت إستطلاعات الرأى الأخيرة تضاؤل دعم المواطنين الألمان للصهيونية، كما تتزايد فى المانيا الإحتجاجات والكتابات والرسوات على الجدران وغيرها من الهجمات ضد المؤسسات اليهودية.
وتحدث المشاركون اليهود فى الاجتماع حول تجارب مشابهة، ودار حديث مؤثر جداً – حول الوضع فى الأرض الفلسطينية المحتلة والمخاوف والآفاق المستقبلية – مع السيدة ريكاردا لوك،
التى إختطفت حماس إبنتها شاني لوك فى 7 تشرين الأول/أكتوبر وقتلتها، وقد شددت على أنَّ صورة إبنتها المحبة للحياة يجب أن تبقى حية فى الذاكرة.
هذا وقد إضطر كل من يريد دخول مبنى مؤتمرات مؤسسة كونراد أديناور الى المرور بجانب نحو عشرين متظاهرة مؤيدة للفلسطينيين،
جلسن ممسكات ببعضهن وشتمن المشاركين فى المؤتمر بوصفهم أحيانًاً “نازيين” وأحيانًا “قتلة” وبعد ساعات تم احتجازهن لفترة قصيرة.
وحول ذلك قال طلاب يهود أثناء الحديث معهم لاحقًا إنَّهم جاؤوا كأطفال مع ذويهم من بيلاروسيا وأوكرانيا إلى ألمانيا – والآن يُشتمون بوصفهم “نازيين”.
وكان من بين الأشخاص الذين دخلوا المبنى تحت حماية الشرطة السفير العبرى فى المانيا رون بروسور، وبوضوح نادر، إنقلب هذا الدبلوماسى ضد المسار الألمانى،
ومن الملفت أيضاً كيف إستخدم أولًا مصطلح “المصلحة الوطنية” غير المعروف فى أى بلد آخر فى شكل مشابه حيث يستخدم مصطلح “مصلحة عليا للدولة” فقد قال إنَّ حماس “وضعت لنفسها هدف تدمير الدولة اليهودية كمصلحة وطنية”
وأضاف بما أنَّ المستشار قد أكد بعد الهجوم – الذى وصمه-بالإرهابى على أنَّ الجانب الوحيد الذى يمكن لألمانيا أن تقف فيه هو بجانب الصهييونية، فيجب وضع ذلك أكثر موضع التنفيذ، وثم – بعدم إستحياء سياسى-
إنتقد رون بروسور المسار الألمانى فى الأمم المتحدة وفى لجانها عند التصويت على قرارات تنتقد الصهيونية
وقال كثيراً ما يمتنع “أصدقاؤنا” فى برلين عن التصويت: “هذا الإمتناع عن التصويت ليس موقفًاً”
وبحسب تعبيره فإنَّ المصلحة الوطنية مصطلح جميل، ولكن يجب بعد ذلك تحديد هذه المصلحة،
مثلاً من خلال دعم الأصدقاء فى اللجان الدولية التى “تشيطن الصهيونية باستمرار” و”بما أنَّ المستشار قد قال بعد الإرهاب
إنَّ الجانب الوحيد الذى يمكن لألمانيا أن تقف فيه هو بجانب الصهيونية، فيجب وضع ذلك أكثر موضع التنفيذ” كما قال. ومن الواضح أنَّهم ينتظرون.