
كتبت: إسراء عبدالله
لا يمكن للإنجازات العسكرية في غزة، وفي لبنان على وجه الخصوص، محو الأثر الرهيب ليوم 7 تشرين الأول/أكتوبر،
الذي سيشعر به، على الأرجح، كل مواطن إسرائيلي هذا الصباح. لكن المسألة لا تقتصر على المشاعر مهما كانت قاسية.
لقد انهارت الأسس البديهية للحياة في البلد في حفلة “نوفا”، وفي كيبوتسات “غلاف غزة”، وفي سديروت وأوفاكيم.
إن المجمع الاستخباراتي الإسرائيلي، الذي تفاخر أعواماً بقدرته على اختراق أنظمة العدو والتنصت عليها وجمع كميات هائلة من المعلومات،
ثبت أنه كان غارقاً في غروره. (إذ تبين لاحقاً، أن خطة هجوم “حماس”، “سور أريحا”، كانت في حوزة الاستخبارات العسكرية أكثر من عام).
في حين أبقت قيادة المنطقة الجنوبية وفرقة غزة على قوة قتالية ضئيلة بالقرب من السياج،
نتيجة الاستخفاف ذاته بالفلسطينيين.
أمّا عندما وصل الطوفان على هيئة آلاف المسلحين الذين يتبعهم حشد غاضب من غزة،
فقد انهارت المنظومة العسكرية الإسرائيلية خلال دقائق.
لقد تم اختراق السياج، واجتاحت أمواج الطوفان المواقع العسكرية الواحد تلو الآخر،
وبينما كانت القوات منشغلة في الدفاع عن نفسها بيأس، بدلاً من التوجه إلى مساعدة المدنيين. لقد قاتلت فرق الطوارئ والشرطة والمتطوعون بشجاعة في المستوطنات،
لكنها اضطرت إلى انتظار وصول تعزيزات الجيش الإسرائيلي وقوات الإنقاذ ساعات طويلة.
لم يكن الخط الدفاعي وحده هو الذي انهار، بل انهار كذلك المبدأ الأساسي للدولة؛ الذي ينص على أن كل مواطن يواجه خطراً أمنياً يمكنه الاعتماد على تنظيم سريع لإنقاذه،
حتى لو كان في عنتيبي. هنا، جرى ما جرى داخل حدود إسرائيل، على بُعد كيلومترات قليلة من مقر قيادة الفرقة، لكن الجيش لم يظهر.
المناورة البرية التي بدأت بعد ثلاثة أسابيع على وقوع “المجزرة” غيّرت صورة الحرب.
فحركة “حماس” لم تتمكن من إيقاف تقدّم فرق المدرعات والمشاة، وبدأت قواتها بالانسحاب من كل مكان تتقدم فيه القوات الإسرائيلية.
لكن الحركة لم تستسلم، بل غيّرت أسلوب القتال والتكتيك.
قُتل أكثر من 40 ألفاً من سكان القطاع (يقدّر الجيش الإسرائيلي أن نحو 15 ألفاً منهم كانوا من مقاتلي “حماس”)،
ونحو 90% من السكان تم تهجيرهم من منازلهم. هناك عائلات اضطرت إلى التنقل من ملجأ إلى آخر، عشر مرات على الأقل.
وتعرّض معظم المباني في القطاع لأضرار، أو دُمّر نتيجة القصف الجوي والعمليات البرية.
يقول د. ميخائيل ميلشتاين، الخبير في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب،
إن “الديموغرافيا والطبيعة الجغرافية في القطاع تغيّرا نتيجة الحرب
. فنحو 8% من السكان، العديد منهم مثقفون ومستقرون اقتصادياً،
غادروا القطاع قبل أن تسيطر إسرائيل على محور فيلادلفيا في أيار/مايو.
ومعظم هؤلاء الآن في مصر”.
وبحسب قوله، ترك هؤلاء خلفهم منطقة دمرت فيها إسرائيل معظم البنية التحتية المدنية، والجامعات، والمباني العامة.
ومع ذلك، لا تزال “حماس” قادرة على الحفاظ على مستوى لا بأس به من الحكم الفعّال في معظم أجزاء القطاع،
في حين تسيطر قوات الجيش الإسرائيلي على محورَي فيلادلفيا ونتساريم،
والشريط الأمني بعرض كيلومتر تقريباً خلف السياج الحدودي.
يؤكد دخول القوات الإسرائيلية إلى شمال القطاع يوم أمس
أن الحرب لم تُحسم بعد. يشن الجيش الإسرائيلي هجوماً هناك،
على أمل أن يدفع هذا الضغط يحيى السنوار إلى العودة إلى المفاوضات بشأن صفقة الأسرى.
أمّا في الواقع، فلا يوجد أيّ تقدّم في المفاوضات.
والأسرى الذين تُركوا لمصيرهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر يتم التخلي عنهم مرة أُخرى في هذه الأشهر، والحكومة غير مبالية.
في الذكرى السنوية لـ”المجزرة”، يستعد الجيش الإسرائيلي والشاباك لمحاولات تسلّل إلى منطقة “غلاف غزة”
وهناك جهود لاختطاف جنود داخل القطاع.
أمّا “الهجوم الدموي” في بئر السبع أمس، فيوفر إشارة إضافية مقلقة.
إن قوة “الإرهاب” القادمة من الضفة الغربية هي الأخطر منذ الانتفاضة الثانية
(إذ قام اثنان من ناشطي “حماس” من الخليل الأسبوع الماضي بقتل سبعة مدنيين في هجوم إطلاق نار في يافا).
لقد ألحق يحيى السنوار أضراراً أكبر بالإسرائيليين؛
سواء من ناحية انعدام الثقة الواضح الذي نشأ بقدرة السلطات الحكومية على مساعدتهم
(كما يتجلى أيضاً في التعامل الفاشل مع المهجّرين) أو في تأقلُمنا مع تدهور معايير القتال لدى الجيش الإسرائيلي،
على خلفية فظائع “المجزرة” والحرب المستمرة في غزة.