
بقلم: نادر فتوح
مع إشراقة عام هجري جديد، تتجدد الآمال وتُرفع الدعوات بأن يحمل هذا العام ما عجز سابقه عن تحقيقه، ونشاهد فيه هدنة للدم، ونهاية للخذلان، وخطوة نحو الخلاص.
لكن قبل أن يطوى العام الماضي، لا بد من التوقف أمام ما حمله من مشاهد دامية وتحولات فارقة.
عام لم يكن كسابقيه، بل عام فاصل، خطف الأنفاس، وعاد رسم خرائط الشرق الأوسط بالحبر والدم.
عام مضى و انقضى.. لكن الجراح لا تزال تنزف.
عاما ثقيل، مترع بالألم والانكسار، لكنه أيضًا عام كشف الأقنعة، و أسقط أوهام القوة، وبشر يتحول بدأ يتشكل تحت الركام.
فيه استمرت مجازر غزة، واشتعل السودان، وتحررت دمشق، واهتزت تل أبيب، بينما العالم يراقب بصمت، والعرب في سبات، والشعوب بين الألم والأمل.
غزة.. رمز الصمود تحت القصف والمجازر
لم تكن غزة مجرد عنوان في نشرة الأخبار، بل صارت أيقونة للبقاء تحت القصف.
أكثر من ٥٠ ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، في واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث.
الاحتلال تبنى استراتيجية “قطع الرأس” عبر سلسلة اغتيالات استهدفت قادة المقاومة: السنوار، هنية، محمد الضيف، وغيرهم.
لكن النتائج جاءت عكسية.. المقاومة ازدادت صلابة، وتحولت الضربة إلى حافز للتمدد.
رهان “إسرائيل” على سحق القيادة فشل، و المعادلة الجديدة صارت واضحة: “كلما اشتد القصف، ازدادت الجبهات اشتعالاً”.
الغرب التزم الصمت، والعرب غرقوا في الخذلان، بينما شعوب الأمة وقفت عاجزة، تتابع المجازر على الشاشات بصمت القبور.
ورغم ذلك، خرج من تحت الركام صوت واحد: “المقاومة لا تنكسر.. والقوة لا تواجه إلا بقوة“.
السودان.. وطن يحترق وشعب يصرخ
العاصمة السودانية سقطت، و الميليشيات سيطرت، والملايين نزحوا.
مشاهد الخراب شملت الخرطوم ودارفور و كردفان، فيما تتواصل المعارك بين جنرالات لا يرون في السودان إلا غنيمة.
هجرات جماعية نحو مصر وتشاد وإثيوبيا، ومدن بأكملها تحولت إلى رماد.
ومع ذلك، لم يختف صوت الشعب: “نريد سودانا جديدا.. بلا سلاح ولا سجون.”
لبنان.. أزمات اقتصادية متتابعة
الأزمات المالية المتلاحقة في لبنان، الليرة المنهارة، والخدمات الغائبة.. كل ذلك كان ينذر بانفجار.
لكن الأخطر.. صراع إقليمي يخترق الداخل.
محاولات لاغتيال قيادات من حزب الله، وموقعة “البيجر” كانت نقطة اشتعال لمعارك كادت تجر البلاد إلى حرب أهلية.
ورغم الجوع و الاحتقار، الشعب لم ينكسر، بل لا يزال يبحث عن نافذة خلاص.
مصر.. هدوءٌ مضطرب تحت وطأة القمع والأزمات
أما في مصر، فالاعتقالات تتسع، الأزمات الاقتصادية تتفاقم، والمعارضة تطارد، والكلمة تجرّم.
سد النهضة يعود للواجهة، والقرن الإفريقي يزداد اضطراب.
في الظاهر هدوء.. لكن في العمق، الأرض تغلي.
كل المؤشرات تنذر ببركان يغلي وينتظر لحظة الانفجار.
اليمن وليبيا والعراق.. أوجاع مستمرة
اليمن وليبيا والعراق، ثلاث دول تجمعها الأزمات وتفرقها التفاصيل.
في اليمن، حرب منهكة مستمرة، وأطفال يموتون جوعاً، لكن مشهد العام تغيّر مع صواريخ حوثية استهدفت “إسرائيل” للمرة الأولى.
في ليبيا، الجمود السياسي سيد الموقف، انقسام بين الشرق والغرب، انتخابات معلقة، وسلاح منفلت.
وفي العراق، الوضع ثابت على فساد، و تبعية، وانقسام، لكن التظاهرات الشبابية بدأت تعيد الأمل بعودة الدولة.
سوريا.. سقوط الطاغية ونجاح الثورة
سقوط نظام الأسد شكل الحدث الأبرز لهذا العام.
بعد سنوات من القمع والمجازر، فر بشار إلى الخارج، وبدأ السوريون كتابة صفحة جديدة.
الثورة استعادت روحها، والدولة الوليدة تخوض معارك بناء حقيقي، رغم محاولات إجهاضها وخلق الفوضى مجددا.
الناس قالوها بوضوح: “لن نقبل دولة بوليسية مرة أخرى.”
ترامب يعود.. والوعود تتبخر
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، علق كثيرون آمالهم على رجل يعِد ولا ينجز.
قال إنه سيوقف الحرب في غزة.. فاشتدت.
قال إنه سيحل الأزمة الأوكرانية.. فتوسعت.
قال إنه ينقذ الداخل الأمريكي.. فاشتعلت كاليفورنيا، وتفاقمت الأزمات التقنية، ولم ينفذ شيئًا من وعوده.
إيران – إسرائيل.. لحظة الانفجار الكبرى
الحرب الشاملة بين إيران و”إسرائيل” كانت الزلزال الأكبر.
صواريخ إيرانية تقصف قلب إسرائيل، و ديمونا تحت النيران، وتل أبيب تختبئ في الملاجئ.
الهالة الأمنية الإسرائيلية سقطت.
الردع تبخر، الثقة بالجيش انهارت، والسياسة اهتزت.
إيران لم تكتفي بالرد.. بل فرضت معادلة جديدة: “من يهددنا.. سنرد عليه في العمق”.
ختام مختلف.. وبداية مشهد جديد في الشرق الأوسط*
ربما لم يكن هذا العام مجرد حلقة جديدة في مسلسل الصراع، بل قد يكون بداية النهاية لزمنٍ طويل من الوهم،
زمن كانت فيه “إسرائيل” لا تهزم، والطغاة لا يسقطون، والمقاومة بلا ظهير.
لكن الصورة تغيرت.. والتحولات تتسارع.
فهل يكون العام المقبل عام الانفجار الكبير؟
أم أننا أمام زلزال سياسي يعيد تشكيل الشرق الأوسط من جديد؟