توجّه رئيس الموساد الصهيونى ديفيد برنيع على رأس وفد الى الدوحة لإستئناف المفاوضات الرامية للتوصل الى هدنة مع حماس، وهو ما رحبت به واشنطن ورأت أن هناك “انفراجة” بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكى جو بايدن ورئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو يوم الخميس (الرابع من يوليو/ تموز 2024)، إعتبر مسئول أمريكى كبير أنّ أمام الكيان وحماس “فرصة مهمة” للتوصل الى إتفاق فى شأن وقف إطلاق النار فى غزة والإفراج عن الرهائن.وعلى صعيد آخر للتصعيد، سمحت الحكومة الصهيونية ببناء 5295 وحدة سكنية فى الضفة الغربية المحتلة، رغم أن توسع المستوطنات ينظر اليه بإعتباره عائقاً كبيراً للسلام مع الفلسطينيين، وذكرت منظمة (السلام الآن) الحقوقية الصهيونية أن ثلاث بؤر إستيطانية غير شرعية سيتم الإعتراف بها قانونياً، وأضافت المنظمة أن المجلس الأعلى للتخطيط، وهو الهيئة الحكومية الصهيونية المسئولة عن الموافقة على بناء المنازل الجديدة، مررت القرارات المعنية.ومن جانبه، قال وزير الخارجية النرويجى إسبن بارث إيدي إن بلاده تندد بقرار صهيونى “إضفاء الشرعية” على خمس بؤر إستيطانية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وأضاف أن النرويج ترى أنه من “غير المقبول على الإطلاق” أن تقرر الصهيونية أيضاً المضى قدماً فى الموافقة على بناء 6016 وحدة سكنية فى مستوطنات الضفة الغربية، وأوضح أن القرارات تقوض جهود إحلال السلام فى المنطقة وطالب الصهيونية بالتراجع عنها، وتعتبر معظم الدول “التى ترغب فى الإعتراف بدولة فلسطين” المستوطنات اليهودية التى بنيت على الأراضى التى إحتلتها الصهيونية فى حرب عام 1967 غير قانونية، وترفض الصهيونية ذلك وتستشهد بروابط تاريخية وتوراتية للأرض.
يثار من جديد الجدل القائم بين المستوى السياسى والعسكرى الصهيونى حول الحرب فى غزة، لكن هذه المرة بسبب رد حركة حماس الذي قدمته للوسطاء على مقترح الصفقة، إضطراب بين الموقف العسكرى الصهيونى الذى عجز عن رد فعل المقاومة الفلسطينية سوى بتدمير المنشآت وقتل المدنيين، والموقف السياسى الذى هدفة تدمير حماس وإعادة الرهائن وعجز عن تنفيذ مآربهع داخلى.
عجزت الصهيونية وفشل سعيها الى كسب عشائر وعائلات محلية لحكم قطاع غزة بعد أن تحقق هدفها المعلن فى القضاء على حماس، بيد أن الولايات المتحدة تسعى الى إضطلاع السلطة الفلسطينية بدور ما.
تتمثل الخطة التى عرضتها الصهيونية لغزة ما بعد الحرب على حلفاء الولايات المتحدة، فى إدارة القطاع بالتعاون مع عشائر محلية ذات نفوذ، لكن المشكلة هى أنه لا أحد يرغب فى أن يُرَى وهو يتحدث الى “العدو” فى مكان ما زالت تتمتع فيه حركة حماس بنفوذ قوى جداً.
وتتعرض الصهيونية لضغوط من واشنطن لوقف نزيف الخسائر البشرية وإنهاء هجومها العسكرى بعد نحو تسعة أشهر، لكنها لا تريد أن تتولى حماس المسئولية بعد الحرب.ومن ثم، يحاول المسئولون الصهيونيون رسم مسار لما بعد توقف القتال، وبحسب تصريحات علنية لمسئولين صهيونيين بارزين فإن أحد الركائز الأساسية للخطة يتمثل فى تشكيل إدارة مدنية بديلة تضم جهات فلسطينية محلية ليست جزءاً من هياكل السلطة القائمة ومستعدة للعمل مع الصهيونية.لكن المرشحين المعقولين الوحيدين فى غزة لهذا الدور، وهم رؤساء العشائر المحلية القوية “غير مستعدين للمشاركة” وفقاً لمحادثات أجرتها رويترز مع خمسة أفراد من العشائر الكبيرة فى غزة ومن بينهم رئيس إحدى العشائر.وقالت تهانى مصطفى، المحللة البارزة فى الشأن الفلسطيني فى مجموعة الأزمات الدولية، وهى مركز أبحاث مقره بروكسل، إن الصهيونية “تبحث جاهدة عن عشائر وعائلات محلية على الأرض للعمل معها… وهم يرفضون” وقالت تهاني التى لها إتصالات ببعض العائلات وأصحاب المصلحة المحليين الآخرين فى غزة، إن العشائر لا تريد المشاركة، ويرجع ذلك جزئياً الى خوفها من إنتقام حماس، وعدم تقتهم بالكيان الصهيونى.وهذا التهديد حقيقي لأنه، على الرغم من هدف الصهيونية الصريح من الحرب المتمثل فى تدمير حماس، ما زال للحركة أفراد فاعلون يفرضون إرادتها فى شوارع غزة، وفقاً لستة من السكان تحدثوا مع رويترز.ورداً على سؤال عن النتيجة التى سيحصل عليها أى رئيس عشيرة ذات نفوذ فى غزة إذا تعاون مع الصهيونية، قال إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامى الحكومى لحماس فى غزة: “أتوقع أن يكون الرد مميتا لأى عشيرة أو جهة ترتضى أن تنفذ مخططات الإحتلال، أتوقع أن يكون الرد مميتا من قبل فصائل المقاومة”وإعترف رئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو بالتحديات، قائلاً فى مقابلة مع القناة 14 التلفزيونية الصهيونية إن وزارة الدفاع حاولت بالفعل التواصل مع العشائر لكن “حماس” قضت على المحاولات، وأضاف أن وزارة الدفاع لديها خطة جديدة، لكنه لم يذكر تفاصيل سوى الإشارة الى عدم رغبته فى مشاركة السلطة الفلسطينية التى تحكم حاليا الضفة الغربية المحتلة.
وناقش وزير الدفاع الصهيونى يوآف غالانت خطط ما بعد الحرب فى إجتماع عُقد فى واشنطن الأسبوع الماضى مع مسئولين أمريكيين، وقال غالانت فى مؤتمر صحفى خلال الزيارة “الحل الوحيد لمستقبل غزة هو أن يحكمها الفلسطينيون المحليون، لا يتعين أن تكون صهيونية ولا يتعين أن تكون حماس” ولم يذكر العشائر تحديداً.فى غزة، توجد عشرات من العائلات صاحبة النفوذ تعمل كعشائر منظمة تنظيماً جيداً، وكثير منها لا روابط رسمية لها بحماس، وتستمد العشائر قوتها من السيطرة على النشاط الإقتصادى وتتمتع بولاء مئات أو آلاف من الأقارب، ولكل عائلة زعيم له لقب “المختار”وإعتمد الحكام الإستعماريون البريطانيون قبل إعلان قيام دولة الصهيونية عام 1948 بشكل كبير على هؤلاء الزعماء (المخاتير) فى الحكم. وبعد السيطرة على غزة عام 2007، قلصت حماس من قوة العشائر، لكن هذه العشائر إحتفظت بدرجة من الإستقلالية.
وتتحدث بالفعل الصهيونية مع بعض التجار فى غزة لتنسيق الشحنات التجارية عبر نقطة تفتيش فى الجنوب، ويتردد السكان فى الكشف عن أى تعاملات مع المستعمر.ووصف أفراد من عشائر غزة التقارب مع الكيان بأنه كان محدود النطاق وتعلق بقضايا عملية داخل غزة نفسها، وركز على شمال القطاع حيث تقول الصهيونية إنها تركز جهودها فى الحكم المدنى.وقال أحد زعماء العشائر فى غزة لرويترز، طالباً عدم ذكر اسمه، إن المسئولين الصهيونيين إتصلوا بمخاتير آخرين، لكن ليس هو، فى الأسابيع القليلة الماضية، وقال إنه علم بالأمر لأن متلقى المكالمات أخبروه بها، وأضاف أن المسئولين الصهيونيين “كانوا يريدون أشخاصاً لهم إحترامهم ونفوذهم” للمساعدة فى توصيل المساعدات الى شمال غزة، وأضاف “أتوقع الا يستجيب أى من رؤساء العشائر والمخاتير لهذه الألآعيب”، مستنداً على الغضب من الكيان بسبب هجومها الذى أدى الى مقتل أفراد من العشائر وتدمير الممتلكات، والشخص الذى تلعب عشيرته دوراً رئيسياً فى الزراعة والإستيراد في غزة ليس له أى صلة رسمية بحماس.
وفى إتصال آخر بين الصهيونية وأصحاب النفوذ من سكان غزة، إتصل مسئولون من وزارة الدفاع الصهيونية فى الأسبوعين الماضيين بإثنين من كبار أصحاب الأعمال فى قطاع الأغذية فى غزة، وفقاً لمصدر فلسطينى مطلع على الإتصالات، ولم يتضح ما الذى يريد الجانب الصهيونى التحدث عنه، ورفض أصحاب الأعمال، وهم من شمال غزة، التعامل مع الصهيونيين، بحسب المصدر، وقال عضو بارز فى عشيرة أخرى إن المسئولين الصهيونيين لم يتصلوا بعشيرته، لكنهم لن يجدوا الا الصدود إذا فعلوا ذلك، وقال عضو العشيرة الذى ليس له أى صلة رسمية بحماس لرويترز “نحن لسنا جواسيس و الصهيونية يجب أن توقف هذه الألآعيب”قال مستشار الأمن القومى الصهيونى تساحى هنغبي فى تعليقات الأسبوع الماضي إن الحكومة فوّضت الجيش الصهيونى لمهمة إيجاد “قيادة محلية ترغب فى العيش جنباً الى جنب مع الكيان الغاصب ولا تكرس حياتها لقتل الصهيونيين”.
وفى حديث تُرجم الى الإنجليزية فى مؤتمر، قال إن تلك العملية بدأت فى الجزء الشمالى من قطاع غزة، و”من المرجح أن نرى نتائج فى وقت قريب”، على حد تعبيره.والى جانب الإدارة المدنية، تشمل الركائز الأخرى لخطة الصهيونية لغزة ما بعد الحرب جلب قوة أمنية من الخارج للحفاظ على النظام والسعى الى الحصول على مساعدة دولية فى إعادة الإعمار والبحث عن تسوية سلمية طويلة الأجل.
وتقول الدول العربية التى تحتاج الصهيونية الى دعمها إنها لن تتدخل ما لم توافق الصهيونية على جدول زمنى واضح لإقامة دولة فلسطينية، وهو الأمر الذى يقول نتنياهو إنه لن يُرغم على القيام به.وخلال فترة الحرب دعت واشنطن الى إجراء إصلاحات لتعزيز السلطة الفلسطينية وتجهيزها لحكم غزة التى كانت تديرها فى السابق.وزعم نتنياهو أنه لا يثق فى السلطة الفلسطينية، وفى المقابل تقول السلطة الفلسطينية إنه (نتنياهو) يسعى الى الإبقاء على حالة الإنقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، ووفقاً لاستطلاع نشره المركز الفلسطينى للبحوث السياسية والمسحية فى الثانى عشر من يونيو/حزيران، فإن الدعم للسلطة الفلسطينية ضعيف بين سكان غزة.ومع ذلك قال مسئولان أمريكيان لرويترز إن نتنياهو قد لا يكون أمامه خيار سوى تسليم مهمة الأمن للسلطة الفلسطينية، وأضاف المسئولان اللذان طلبا عدم كشف هويتيهما نظراً لحساسية الأمر أن الصهيونية لم تضع بعد خطة واقعية لحكم وإدارة الأمن فى القطاع بعد الحرب، وأوضحا دون تفاصيل أن المسئولين الصهيونيين يدرسون مجموعة من الخيارات.وأظهر إستطلاع المركز الفلسطينى للبحوث السياسية والمسحية أن بعض سكان غزة يلقون باللوم على حماس فى إشعال الحرب التى إندلعت بعد رد الفعل فى 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فيما إقترب البعض الآخر أكثر ناحية الحركة غضباً من الهجوم الصهيونى، ولا سيما مع التزام الحركة المعلن بـ”تدمير الصهيونية”. وتدرك حماس أنها من غير المرجح أن تحكم بعد الحرب، لكنها تتوقع الإحتفاظ بنفوذها.وقال أحد سكان القطاع إنه رأى أفرادا من الشرطة التابعة لحماس يتجولون فى شوارع مدينة غزة فى يونيو/حزيران ويحذرون التجار من رفع الأسعار، وأضاف طالباً عدم ذكر إسمه خوفاً من العواقب أنهم كانوا يرتدون ملابس مدنية بدلاً من الزى المتعارف عليه ويتنقلون بدراجات.وقال أربعة من سكان المدينة تحدثوا الى رويترز إن مسلحى حماس تدخلوا للسيطرة على شحنات المساعدات وقتلوا بعض الشخصيات المعروفة المنتمية الى العشائر فى بداية العام الجارى بعدما حاولوا الإستيلاء على شحنات فىي مدينة غزة.
وفى أبريل/ نيسان ذكرت حماس أن أجهزتها الأمنية إعتقلت العديد من أعضاء جهاز الأمن الموالى للسلطة الفلسطينية، وذكر ثلاثة أشخاص من المقربين للسلطة الفلسطينية أن المعتقلين كانوا يرافقون شحنة مساعدات فى طريقها الى شمال قطاع غزة.وقال مايكل ميلشتاين، وهو كولونيل سابق فى الإستخبارات العسكرية الصهيونية ويرأس حاليا منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز موشيه ديان للأبحاث في الكيان، “لا يوجد فراغ فى غزة، وحماس لا تزال القوة الأبرز” ٨