
كتبت: سهام إبراهيم
يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفرنسا على خلفية نية باريس الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، وهو ما أثار غضب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي اعتبرت الخطوة سببًا رئيسيًا في تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في غزة.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مسؤولين أن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، اتهم فرنسا صراحة بالتسبب في فشل المفاوضات، مشيرًا إلى أن إعلان باريس المفاجئ دفع حماس للانسحاب من طاولة التفاوض.
وردت الحكومة الفرنسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن اعترافها لم يكن سببًا في انهيار محادثات تبادل المحتجزين، وقدّمت سلسلة من المنشورات والتصريحات السابقة، من بينها تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص، ستيف ويتكوف، التي اتهم فيها حماس بعدم التصرف “بحسن نية”، وقال إن واشنطن تدرس “خيارات بديلة”.
وفي تعليقات سابقة، قال روبيو: “في اللحظة التي أعلن فيها الفرنسيون عن خطوتهم، انسحبت حماس من المفاوضات”، مضيفًا أن باريس تجاهلت التحذيرات الأمريكية و”تتصرف وفق أجندتها الداخلية”.
من جانبه، حذّر وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، خلال زيارته الأخيرة إلى جرينلاند، من تنامي “وحشية العالم”، منتقدًا أساليب “الترهيب والابتزاز” التي تُستخدم في العلاقات الدولية. وفي تلميح واضح إلى تصريحات ترامب السابقة بشأن رغبته في شراء جرينلاند، قال بارو: “جرينلاند ليست للبيع”.
وأثار إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 24 يوليو عن اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، تفاعلًا دوليًا واسعًا، إذ تبنّت كندا وأستراليا ودول أخرى الموقف نفسه، على أن يتم الإعلان الرسمي خلال جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 سبتمبر الجاري. كما أعربت بريطانيا عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية بشروط محددة.
وتعمّقت الخلافات بين واشنطن وحلفائها بسبب تصاعد العنف في غزة، وسط دعوات من حكومة نتنياهو لضم الضفة الغربية بالكامل، الأمر الذي زاد من حدة الانقسام بين الولايات المتحدة من جهة، ومعظم المجتمع الدولي من جهة أخرى.
ورفضت إدارة ترامب مبادرة مشتركة بين فرنسا والسعودية لعقد مؤتمر دولي حول الدولة الفلسطينية، ووصفتها بـ”الحيلة الدعائية”، وامتنعت عن حضور الاجتماع الأول الذي عُقد في يوليو الماضي، فيما يُتوقع عقد جلسة ثانية خلال اجتماعات الأمم المتحدة المقبلة.
وتعترف نحو 150 دولة حتى الآن بدولة فلسطين، لكن عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة تتطلب موافقة مجلس الأمن، حيث تملك الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو).
ورغم دعم الإدارات الأمريكية السابقة لمبدأ “حل الدولتين”، فإنها شددت على ضرورة أن يكون ذلك نتيجة مفاوضات مباشرة بين الجانبين.
وفي أواخر ولايته الأولى، قدّم ترامب خطة لقيام دولة فلسطينية “منزوعة السيادة” تتخلى عن أجزاء واسعة من الضفة الغربية لصالح إسرائيل، ما قوبل برفض فلسطيني ودولي واسع.
وقال ماكرون في إعلانه إن الاعتراف الفرنسي سيدخل حيز التنفيذ خلال اجتماعات الأمم المتحدة المقبلة، مؤكدًا: “نظراً لالتزامنا التاريخي بالسلام، قررت فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين. السلام ممكن”.
في المقابل، وصف روبيو الخطوة بأنها “متهورة”، وقال في تصريحات إذاعية إن الاعتراف “مكافأة تشجع حماس”، وتهدد فرص إنهاء الحرب.
وفي رسالة شديدة اللهجة إلى ماكرون بتاريخ 17 أغسطس، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نظيره الفرنسي بـ”الضعف” والمساهمة في تأجيج معاداة السامية داخل فرنسا.
ورد ماكرون في 26 أغسطس برسالة علنية، لفت فيها إلى أن نتنياهو نشر رسالته قبل أن تصله، ودعاه إلى “وقف المسار اليائس لحرب دائمة في غزة”، مشددًا على أن هذه الحرب “تلحق العار بإسرائيل وتضع شعبها في مأزق دائم”.
وفي خطوة تصعيدية جديدة، أعلنت الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي إلغاء تأشيرات دخول جميع أعضاء السلطة الفلسطينية، بمن فيهم الرئيس محمود عباس، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
واختتم روبيو تصريحاته من الإكوادور، قائلًا: “حذرناهم جميعًا.. إذا مضوا في هذا الاعتراف، فإنهم يفتحون بابًا لمشكلات كبيرة جدًا”.




