
كتبت: إسراء عبدالله
المصدر: معهد الشرق الأوسط
من المرهق للغاية في الوقت الحالي أن تكون وزير خارجية عربي.
في 21 يونيو، أعاد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان التأكيد على إدانة بلاده “للاعتداء السافر” من قبل إسرائيل على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، واصفاً الهجمات بأنها “خرق للقوانين والأعراف الدولية” ومحذراً من تصعيد الوضع الملتهب أصلاً.
وفي وقت لاحق من نفس اليوم، قدّم نظيره المصري بدر عبد العاطي موقفًا شبه متطابق، حيث التقى بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وأكد ضرورة التهدئة والسعي لحلول دبلوماسية لاحتواء العنف المتصاعد.
عندما اجتمع الوزيران على هامش المؤتمر، قدّما موقفًا موحدًا إلى حد بعيد. وبعد يومين، حين ضربت إيران قاعدة العديد الجوية في قطر — أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط — أصدرت الدولتان بيانين شبه متطابقين، ووصفتا الهجوم بأنه “عدوان غير مقبول” و”انتهاك لسيادة قطر”.
هذا التوافق كان لحظة نادرة من الوحدة الصافية بين بلدين بذلا جهدًا لإنكار أي تصدعات في العلاقة. فقد وجدت مصر والسعودية أرضية مشتركة متزايدة خلال العام الماضي، خاصة في الجوانب الاقتصادية، رغم أن طبيعة العلاقة الاقتصادية قد تغيّرت.
لم تعد السعودية تضخ أموالًا مباشرة في البنك المركزي المصري. ففي 2023، أشار وزير المالية السعودي إلى نهاية سياسة “الدعم بدون شروط”، وأوضح أن المملكة ستعمل مع المؤسسات الدولية لدفع إصلاحات حقيقية، وهي رسالة وصلت بوضوح إلى القاهرة.
رغم أن السعودية لن تسمح بانهيار مصر اقتصاديًا — لما لمصر من أهمية جيوسياسية وسكانية في استقرار الخليج — إلا أن زمن “الشيكات المفتوحة” قد ولّى.
فإذا أرادت مصر ما يتجاوز الحد الأدنى من الضمانات، فعليها أن تعتمد على الاستثمارات السعودية، لا المساعدات.
استجابت مصر سريعًا، وفي مارس 2024، وافق البرلمان المصري على اتفاقية استثمار ثنائية لجذب الاستثمارات السعودية والاحتفاظ بها.
على المستوى السياسي، تتفق الدولتان في معظم السياسات الخارجية، وتعاديان الحركات الشعبية، وتخشيان الإسلاموية المتطرفة، وتحرصان على الحفاظ على علاقات مع الغرب دون تدخلاته.
خلافات سابقة
اختُبرت العلاقة أكثر من مرة خلال العقد الماضي. بعد إزاحة الرئيس محمد مرسي عام 2013، دعمت السعودية ودول الخليج مصر اقتصاديًا وسياسيًا.
لكن مع بدء الحرب في اليمن بقيادة السعودية والإمارات عام 2015، طُلب من مصر الانضمام. إلا أن السيسي، متذكرًا مغامرة عبد الناصر في اليمن في الستينات، رفض التورط في حرب جديدة هناك.
وفي 2015، سرّبت قناة “مكملين” تسجيلًا منسوبًا للسيسي وهو يتحدث مع كبار مساعديه قبل توليه الرئاسة، عن كيفية طلب أموال إضافية من الخليج. ظهر فيه يقول إن “الفلوس عندهم زي الرز”، ما أثار استياءً واسعًا واضطر السيسي إلى إجراء اتصالات شخصية لاحتواء الأزمة.
جزر تيران وصنافير
كان الرد المصري بادرة كبيرة: اتفاق عام 2016 مع السعودية لإعادة جزر تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى السيادة السعودية.
رغم صغر حجم الجزيرتين، إلا أن موقعهما الاستراتيجي في مضيق تيران يجعلهما مهمتين، إذ يتيحان الوصول إلى ميناء العقبة الأردني وإيلات الإسرائيلي.
أثار الاتفاق غضبًا شعبيًا واسعًا في مصر، وواجه طعونًا قضائية، لكن الحكومة أصرت أن الأرض “أُعيدت لأصحابها”.
وفي 2018، أنهت المحكمة العليا الطعون ومهدت الطريق لنقل السيادة.
العقبة الإسرائيلية
كان على مصر والسعودية أخذ موافقة إسرائيل، بموجب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979. ومع عدم وجود علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية، دخلت الولايات المتحدة كوسيط.
لكن تفاصيل عدة أعاقت الاتفاق، منها:
1. رغبة السعودية في إزالة القوات الدولية من الجزر.
2. اعتراض مصر على الكاميرات المتطورة التي اقترحتها إسرائيل والسعودية، واعتبرتها تهديدًا أمنيًا.
توترات إضافية
لم تقتصر التوترات على الجزر. ففي 2017، طرحت مصر مبادرة “مجلس البحر الأحمر”، لكن السعودية استحوذت عليها لاحقًا وغيّرت مسارها.
وفي 2022، كتب الإعلامي عماد الدين أديب سلسلة مقالات تنتقد الاقتصاد المصري، ما أثار غضبًا رسميًا وردًا صحفيًا مصريًا، تلاه اعتذار من الرئاسة وسحب المقال.
تدخل السيسي شخصيًا وقال: “إذا لم يكن لدينا ما نقوله جيدًا، فلنصمت”، مؤكدًا الامتنان للدعم الخليجي.
المستقبل
في فبراير، أكّد وزير الطاقة السعودي أن مصر والسعودية “وطن واحد”، وأُطلقت مبادرات اقتصادية وصناعية مشتركة.