
كتبت: إسراء عبدالله
المصدر: فايننشال تايمز
من الصعب تجاهل مشاعر التفاؤل والنشوة في تل أبيب وواشنطن وعدد غير قليل من العواصم الغربية. يود كثيرون أن يصدقوا أن سحق قوة إيران سيجلب الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.
وقد أعلن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أن عدة دول – لم يُفصح عن أسمائها بعد – ستقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل قريبًا، وإن لم تكن بالضرورة دولًا عربية. وقد اقترح بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين بالفعل “خطة درع أبراهام”، التي من شأنها تكريس الهيمنة الإسرائيلية وتأمين مكاسب سياسية واقتصادية دون تقديم أي تنازلات تتعلق بإقامة دولة فلسطينية.
وقبل كل شيء، لا تُظهر إسرائيل أي رغبة في إنهاء تفاوضي لحرب غزة.
في المقابل، يسود الذهول والشعور بالقلق العميق منطقة الخليج، التي شهدت للتو خامس صراع كبير خلال خمسة عقود.
بعد الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، وحرب الخليج 1990-1991، والغزو الأميركي للعراق عام 2003 وما تبعه من فوضى دامية، وسنوات من النزاعات الخليجية البينية المدمرة، سادت آمال بأن تُحصّن أجندة التكامل العالمي والازدهار الإقليمي المنطقة من الاضطرابات.
وقد صُممت زيارة دونالد ترمب إلى السعودية وقطر والإمارات في مايو بعناية للحصول على موافقة أميركية على هذه الرؤية.
لكن، ورغم كل الجهود، شنت إسرائيل هجومًا على إيران قبل أسبوعين، تلاه قصف أميركي لمنشآت نووية إيرانية.
وردت إيران بهجوم على قاعدة أميركية في قطر، وإن كان منضبطًا ومدروسًا، إلا أن الصور التي أظهرت مواطنين قطريين وعمالًا أجانب يفرّون للنجاة بأنفسهم كانت صادمة.
وقد أدت الدفاعات الجوية القطرية المدعومة أميركيًا أداءً جيدًا ولم تقع إصابات، لكن وقع الصدمة في بلد استضاف كأس العالم قبل أعوام – وفي دول الجوار التي تفخر بالاستقرار والأمان وسهولة ممارسة الأعمال – لا يمكن إنكاره.
على دول الخليج الآن أن تستعد لفترة طويلة من عدم اليقين وعدم الاستقرار. فمن وجهة نظرها، لم تُحسم الحرب بعد.
بغض النظر عن حجم الضرر الذي لحق بالمنشآت النووية الإيرانية، فإن السنوات المقبلة ستتشكل بناءً على ما إذا كانت طهران ستنسحب من معاهدة عدم الانتشار النووي، وما إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة ستواصلان القصف، وما إذا كان الإيرانيون سيعملون على تصنيع جهاز نووي بدائي.
ما كانت دول الخليج تعتبره تهديدًا يمكن احتواؤه عبر اتفاق – إيران تحت العتبة النووية وذات نفوذ إقليمي محدود – بات الآن تهديدًا مستعصيًا سيؤثر على استقرارها لعقود.
وهذا سيبقي المستثمرين والسكان المحتملين في حالة قلق دائم.
كل التشبيهات ناقصة وتحمل طابعًا ذاتيًا، لكن يمكن النظر إلى هذا المثال: الوضع اليوم يشبه إلى حد مريب العراق عام 1991.
نظام عسكري نجا، ولو بضعف ظاهر. لم يعد قادرًا على بسط نفوذه، وقد يضطر إلى تهدئة أطرافه المتمردة، لكنه لا يزال قادرًا على إرباك جيرانه.
المعارضة الداخلية والمنفية ضعيفة. وقادة النظام لا يزالون مقتنعين بأن تغيير النظام هو الهدف غير المعلن.
على عكس التسعينيات، حين كانت الولايات المتحدة تهيمن على النظام العالمي وتولت مسؤولية إدارة العراق ولديها مبرر قانوني لذلك، فإن أميركا اليوم غير مهتمة بأي التزام مماثل.
فبعد أن أظهرت قوتها العسكرية بشكل أوضح من أي عرض عسكري، لا يبدي ترمب لا اهتمامًا ولا تركيزًا على تسوية معقدة ومستدامة تقيد إيران وتدمجها إقليميًا في آن.
وحتى إن أراد ذلك، فغالبًا ما ستعارض إسرائيل مثل هذا التوجه، لأنه سيقيد حريتها في التحرك. ما يهم إسرائيل هو أن تطير طائراتها حيث تشاء، وأن يعمل جواسيسها في كل مكان، وأن يتقبل الخصوم والحلفاء ذلك دون شروط.
إيران الضعيفة ستكون مشغولة بلعق جراحها وتسوية حساباتها الداخلية ولن تجازف بدبلوماسية عالية المخاطر إلا لكسب الوقت.
ورغم أن سياسة حافة الهاوية النووية قد ارتدت عليها سلبًا، لا تزال إيران تحتفظ بهذه الورقة.
كما سيتعين عليها إعادة التفكير في وضعها الدفاعي.
لقد فشلت استراتيجية الردع والهجوم على إسرائيل عبر الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى والميليشيات.
ويظل الاستثمار في الدفاع الداخلي مكلفًا وأكثر صعوبة: فروسيا أثبتت أنها ليست صديقًا دائمًا ولن تعطي الأولوية لاحتياجات إيران.
أما الصين، التي تُروّج الآن كخيار إيران التالي، فستكون قد تعلمت من هذا النزاع أن تقليل انكشافها على سياسات الشرق الأوسط يخدمها أكثر.
أما ما تبقى من أدوات في ترسانة إيران، فهي الأنظمة القصيرة المدى، سواء كانت صواريخ دقيقة أو طائرات مسيرة – وهي مفيدة فقط داخل منطقة الخليج.
كل هذا يعني أن على دول الخليج الآن أن تكرّس المزيد من الوقت والاهتمام لإدارة العلاقة مع إيران.
من المرجح أن تسعى إلى تعزيز دفاعاتها الجوية لتضاهي درع إسرائيل المتطور، وإلى امتلاك مزيد من الصواريخ لتوفير قدرة ردع فعلية. وهذا يضمن علاقات دفاعية دائمة مع الدول الغربية.
لكن، ورغم تعرض كل من الدوحة والرياض لهجمات إيرانية في السنوات الأخيرة، تميل العاصمتان اليوم إلى التروّي والتسامح.
ستكون هناك بيانات سياسية، وزيارات، وحوافز اقتصادية – إلى جانب انتقادات متزايدة للولايات المتحدة وإسرائيل. ومن المفارقات أن نجاح إسرائيل ضد إيران يضعف أكثر رغبة السعودية – التي كانت تتضاءل أصلًا – في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ورغم أن النقاشات في العواصم الغربية تصوّر إيران كقوة منتهية، إلا أن البلاد ستبقى مصدر تهديد لجيرانها وفي صميم النقاشات الإقليمية لسنوات قادمة.