صحة

د. أحمد الفرا لـ “نيوز بالعربي”: امراض القلب تسرق الأرواح في صمت.. وهذه أخطر العادات التي تدمّر قلوبنا

د. أحمد الفرا لـ "نيوز بالعربي": امراض القلب تسرق الأرواح في صمت.. وهذه أخطر العادات التي تدمّر قلوبنا

إدارة الحوار/ عبدالرحمن فتحي عبدالنعيم نائب رئيس التحرير.

في زمنٍ أصبحت فيه امراض القلب تتصدّر قائمة الأسباب المؤدية للوفاة عالميًا، لم يعد من الممكن التغافل عن حجم التحدّي الذي تفرضه هذه الأمراض، وبين الضغوط النفسية، وسوء التغذية، وقلة الحركة، يظهر دور الأطباء كموجّهين لا كمعالجين فقط.

والدكتور أحمد عبد المجيد الفرا، أخصائي أمراض القلب والقسطرة بمعهد القلب القومي، وأحد الأصوات الواعية في هذا المجال، فتح قلبه لـ”نيوز بالعربي” في حوار خاص، تحدث فيه عن أسباب الانتشار المتزايد لأمراض القلب.

بالإضافة إلي العوامل الخفية التي تتسبب فيها، وخطورة الاعتماد على مواقع التواصل كمصدر طبي، كما قدّم روشتة علمية دقيقة للوقاية، ونصائح ثمينة لكل من يسعى لحياة صحية أطول.

امراض القلب
امراض القلب

1- في البداية، هل يمكنك أن تعطينا نبذة عن نفسك وخبرتك في مجال عملك؟

أنا الدكتور أحمد عبد المجيد الفرا، أخصائي أمراض القلب والقسطرة بمعهد القلب القومي، تخرجت من كلية الطب بجامعة عين شمس عام 2014، ثم التحقت بالتخصص وبدأت العمل في معهد القلب بعد إنتهاء فترة التكليف وحتى الآن.

2- برأيك، هل هناك ازدياد ملحوظ في انتشار امراض القلب في الوقت الحالي؟ وما هي الأسباب الأكثر شيوعًا من وجهة نظرك؟

تُعد أمراض القلب من أكثر الأمراض شيوعًا في العصر الحديث، وقد بدأ الاهتمام بها كتخصص طبي مستقل منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث بدأ الأطباء يلاحظون أن لها سمات خاصة تستدعي دراستها بشكل منفصل عن بقية الأمراض.

ومع منتصف القرن العشرين، بدأت الدراسات الميدانية تؤكد أن أمراض القلب ليست فقط منتشرة، بل أصبحت بالفعل السبب الأول في معدلات الوفيات حول العالم، سواء في الدول الأوروبية أو في مصر ومختلف أنحاء العالم، ولم تكن هذه النتائج مبنية على مجرد ملاحظات فردية، بل استندت إلى بيانات بحثية واضحة ودقيقة.

ورغم أن أمراض القلب لا ترتبط بسبب مباشر وواضح في أغلب الحالات، فإن هناك مجموعة من العوامل التي تساهم في زيادة احتمالية الإصابة، ويُطلق عليها “عوامل الخطر”، مثل: ارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، والتدخين، واضطراب مستويات الكوليسترول في الدم، ورغم أن وجود أحد هذه العوامل لا يعني بالضرورة الإصابة بأمراض القلب، فإنها تزيد من احتمالية حدوثها بشكل كبير.

وتُضاف إلى هذه العوامل أسباب وراثية أو جينية، والتي لا يمكن التحكم فيها، على عكس العوامل الأخرى التي يمكن الوقاية منها أو التحكم بها من خلال نمط حياة صحي.

ومن العوامل المهمة الأخرى التي تساهم في زيادة انتشار أمراض القلب: الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وقلة النشاط البدني، واتباع نظام غذائي غير صحي، وقد لاحظ الباحثون أن هذه العوامل تلعب دورًا كبيرًا في انتشار أمراض القلب، لا سيما في المجتمعات الفقيرة أو التي تعاني من أزمات اقتصادية.

وفي ظل نمط الحياة العصري، الذي يتسم بكثرة الضغوط وقلة الحركة وانتشار الوجبات غير الصحية، أصبح من الطبيعي أن نشهد ارتفاعًا مستمرًا في معدلات الإصابة بأمراض القلب، وهو ما يعكس أهمية التوعية والوقاية والتدخل المبكر.

امراض القلب
امراض القلب

3- ما هي أبرز الأمراض التي يختص بها تخصص أمراض القلب ؟

يُعد تخصص أمراض القلب أحد فروع الطب الباطني، ويُعنى بتشخيص وعلاج الأمراض التي تصيب القلب والأوعية الدموية، وعلى رأسها أمراض الشرايين التاجية، وهي الشرايين التي تُغذي عضلة القلب بشكل مباشر، وكذلك مرض هبوط أو فشل عضلة القلب، وهو تعبير يُستخدم لوصف حالة عدم قدرة القلب على أداء وظيفته الطبيعية في ضخ الدم بكفاءة.

كما يشمل تخصص القلب أيضًا اضطرابات صمامات القلب، والتي يبلغ عددها أربعة صمامات رئيسية، وتكمن وظيفتها في تنظيم حركة الدم داخل القلب في اتجاه واحد، وعند حدوث ضيق في أحد هذه الصمامات، يُشبه الأمر بباب لا يُفتح بالكامل، مما يعيق تدفق الدم، أما في حالة الارتجاع، فيكون أشبه بباب لا يُغلق بإحكام، مما يؤدي إلى رجوع الدم في الاتجاه العكسي، وبالتالي تتأثر كفاءة عضلة القلب.

ومن الجوانب المهمة الأخرى في هذا التخصص اضطرابات كهرباء القلب، وهو مجال دقيق داخل تخصص القلب يُعنى بدراسة ومعالجة اضطراب نظم القلب من خلال أجهزة وتقنيات متقدمة.

وكذلك تُعد الحمى الروماتيزمية من الأمراض التي تؤثر بشكل مباشر على صمامات القلب، ويحتاج المريض إلى متابعة طويلة الأمد مع طبيب القلب لتجنب تطور المضاعفات.

ومن الأمراض الشائعة المرتبطة بتخصص القلب أيضًا ارتفاع ضغط الدم، والذي يُعتبر من أكثر العوامل المؤثرة في صحة القلب والأوعية الدموية، كما يتداخل تخصص القلب مع أمراض الشرايين الأخرى، سواء التاجية أو شرايين المخ أو الشرايين الطرفية في اليدين والقدمين، حيث يُعالج طبيب القلب الجانب الدوائي لهذه الحالات، بينما تُحال الجوانب الجراحية إلى تخصص جراحة الأوعية الدموية، أما السكتات الدماغية فهي محور تداخل مع تخصص المخ والأعصاب.

وباختصار، يشمل تخصص القلب مجموعة واسعة من الأمراض، من بينها: قصور الشرايين التاجية (كالذبحة الصدرية المستقرة وغير المستقرة، والجلطات القلبية)، هبوط عضلة القلب، اضطرابات كهرباء القلب، أمراض صمامات القلب، ارتفاع ضغط الدم، الأمراض المتعلقة بجلطات الأوردة، ارتفاع ضغط الشريان الرئوي، الجلطة الرئوية، مرض السكري، والحمى الروماتيزمية المزمنة.

4- كونك طبيبًا من أبناء هذا المجتمع، هل تلاحظ وجود سلوكيات صحية خاطئة شائعة تؤثر سلبًا على صحة القلب؟

في ظل التطورات الحديثة، برزت سلوكيات حياتية غير صحية تُعد من العوامل الرئيسية في ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب، ويمكن تلخيص هذه السلوكيات في نقطتين أساسيتين:

  • أولًا: النظام الغذائي غير الصحي، والذي يتمثل في الاعتماد على الوجبات السريعة والمأكولات الجاهزة الغنية بالدهون المهدرجة والمتحولة، إضافة إلى الإفراط في تناول السكريات والموالح، وهذه الأنماط الغذائية تؤدي إلى خلل في التوازن الغذائي، وترتبط بشكل وثيق بزيادة فرص الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
  • ثانيًا: نقص النشاط البدني، حيث ساهمت وسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في تقليل معدل الحركة اليومية، فبات التواصل يعتمد على الهواتف وشبكات الإنترنت، مما أدى إلى نمط حياة يغلب عليه الخمول، كما أن انتشار وسائل النقل الحديثة الشخصية، مثل التروسيكلات والموتوسيكلات، أسهم في تراجع النشاط البدني خاصة في المناطق الريفية، التي كانت في السابق تعتمد على الحركة اليومية والجهد البدني.

وهذه السلوكيات، المتمثلة في التغذية غير المتوازنة وقلة الحركة، تؤدي مجتمعة إلى تدهور الصحة العامة، وتُعد من أبرز العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب، لذا فإن تعزيز الوعي بأهمية الغذاء الصحي وممارسة النشاط البدني بانتظام، حتى وإن كان بسيطًا كالمشي، يمثل خطوة ضرورية نحو الوقاية وتحسين صحة القلب.

امراض القلب
امراض القلب

5- برأيك، هل بات للأطباء دور أكبر اليوم في التوعية من خلال منصات التواصل الاجتماعي؟

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في متناول يد الجميع، إذ يحمل معظم الناس هواتف ذكية متصلة بالإنترنت، ويملكون حسابات نشطة على مختلف المنصات الرقمية، ومع هذا الانتشار الواسع، باتت هذه الوسائل تمثل المصدر الأساسي للمعلومات لدى الكثيرين، بعد أن تراجع دور الوسائل التقليدية كالصحف والتلفاز وحتى التواصل المباشر بين الناس.

ولكن الإشكالية تكمن في أن جزءًا كبيرًا من المحتوى المتداول على هذه المنصات قد يكون غير دقيق أو مضلل، فهناك معلومات كثيرة تنتشر إما بشكل متعمد بغرض الترويج أو الخداع، أو بشكل غير مقصود نتيجة سوء فهم أو نقل غير كامل للحقائق، وقد أدى هذا إلى انتشار واسع للخرافات والمفاهيم الخاطئة، لا سيما في المجالات الطبية.

وفي المقابل، لا يمكن إنكار أن هناك محتوى علمي وتثقيفي عالي الجودة يُقدمه مختصون في مجالاتهم، مثل الأطباء والمعلمين والمهندسين والفنيين، حيث يشاركون خبراتهم ويقدمون معلومات دقيقة وموثوقة، سواء للزملاء في نفس التخصص أو لعامة الناس.

لذا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بالفعل منصة أساسية للتوعية الصحية، من حيث تقديم النصائح العامة وطرق الوقاية والتثقيف حول الأمراض.

ومع ذلك، ينبغي التأكيد على أن هذه المنصات لا تُعد بديلًا عن التواصل المباشر مع الأطباء عند الحاجة إلى تشخيص دقيق أو علاج محدد، إذ أن الممارسة الطبية تتطلب مناظرة إكلينيكية مباشرة، وفحصًا شاملًا للحالة الطبية، بما في ذلك الاطلاع على التاريخ المرضي والتحاليل والتقارير ذات الصلة.

وقد يكون من المقبول استخدام وسائل التواصل أو الهاتف لمتابعة بعض التفاصيل البسيطة، ولكن لا ينبغي الاعتماد عليها كأساس لاتخاذ قرارات علاجية، فالبعض للأسف يتلقى نصائح علاجية من مقاطع فيديو أو منشورات دون مراجعة طبيب مختص، مما قد يؤدي إلى استخدام منتجات أو أدوية بلا فائدة تُذكر، بل أحيانًا تحمل آثارًا سلبية وتكاليف مالية غير مبررة.

لذا، لا بد من التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بحذر، والاستفادة منها في الجانب التثقيفي فقط، مع الرجوع دومًا إلى الطبيب المختص قبل البدء في أي علاج أو استخدام أي منتج طبي.

امراض القلب
امراض القلب

6- كيف يمكن الوقاية من امراض القلب؟ وما هو دور الأدلة العلمية في توجيه العلاج؟

كما ذكرنا في البداية، منذ نحو سبعين عامًا، وتحديدًا في خمسينيات القرن العشرين، أُجريت في الولايات المتحدة أولى الدراسات الميدانية التي أثبتت وجود ارتباط مباشر بين امراض القلب وبعض العوامل التي تُعرف اليوم باسم “عوامل الخطر”.

ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا النوع من الدراسات أحد الأسس التي يقوم عليها ما يُعرف اليوم بـ”الطب المبني على الدليل”، وهو النهج العلمي المعتمد في الممارسة الطبية الحديثة.

وفي هذا الإطار، لم يعد الطبيب يعتمد على التجربة الشخصية أو الملاحظات الفردية، بل يتخذ قراراته المتعلقة بالتشخيص أو العلاج أو المتابعة بناءً على دراسات إكلينيكية موثقة، أُجريت وفق معايير دقيقة تضمن الحياد وتمنع التحيز أو التضليل.

كما يُبنى الطب المعاصر، في جميع تخصصاته، على نتائج هذه الدراسات، ما يجعل كل خطوة علاجية تستند إلى دليل علمي واضح، وبالنسبة لأمراض القلب، فقد أثبتت هذه الأدلة العلمية أن الوقاية تبدأ بالتحكم في عوامل الخطر، والتي تشمل:

  • ضبط ضغط الدم لدى المرضى المصابين بارتفاع الضغط.
  • التحكم في مستويات السكر في الدم.
  • الإقلاع عن التدخين، بما في ذلك تجنب التدخين السلبي، وقد أصبح هناك اليوم أدوية وبرامج علاجية تساعد على التوقف عن التدخين.
  • تصحيح اضطراب الكوليسترول في الدم من خلال العلاج والنظام الغذائي.
  • مكافحة السمنة، والتي تُعتبر اليوم مرضًا بحد ذاتها، بالإضافة إلى كونها عامل خطر يمهد للإصابة بأمراض القلب والسكري وارتفاع الضغط.

ويتم التحكم في السمنة عبر مزيج من التغذية السليمة، وممارسة الرياضة، بالإضافة إلى بعض الأدوية المعتمدة التي تُستخدم تحت إشراف طبي.

ومن الجوانب الأخرى المهمة أيضًا، إدارة الضغوط النفسية والاجتماعية، حيث تلعب دورًا مؤثرًا في صحة القلب، ويُعد التأقلم مع الظروف الحياتية، إلى جانب ممارسة الرياضة، وسيلتين فعالتين للتعامل مع هذه الضغوط.

وتُعد الرياضة المنتظمة، مثل المشي النشيط لمدة لا تقل عن 30 دقيقة يوميًا، من أبرز العوامل التي تسهم في تعزيز صحة القلب، إلى جانب تحسين وظائف الجهاز الهضمي والرئتين.

وأما على مستوى النظام الغذائي، فيُنصح بتناول أطعمة غنية بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، مثل الخضروات، والأسماك، وزيت الزيتون، والأطعمة الغنية بالألياف، كما يُفضل التركيز على الكربوهيدرات المعقدة، وتقليل السكريات البسيطة، وعلى رأسها السكر الأبيض.

وأما الدهون الصحية، مثل الدهون غير المشبعة، فهي مقبولة ضمن النظام الغذائي، بينما يُوصى بالحد من الدهون المشبعة، وتجنب الدهون المهدرجة والمتحولة تمامًا، لما لها من تأثيرات سلبية واضحة على صحة القلب.

وأخيرًا، يجب التأكيد على أن امراض القلب تُعد من الأمراض المزمنة التي تتطلب التزامًا دائمًا بالعلاج بعد التشخيص الدقيق، فاستمرار المريض في تناول العلاج بانتظام يُسهم في استقرار حالته الصحية، ويقلل من احتمالية حدوث مضاعفات خطيرة مستقبلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى