
كتبت: إسراء عبدالله
المصدر: فايننشال تايمز
في غضون ساعات من بدء سريان وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران، أعلنت الجمهورية الإسلامية، التي أنهكتها ضربات جوية مكثفة استمرت 12 يومًا، “الانتصار”.
بالنسبة للنظام الإيراني، فإن مجرد البقاء على قيد الحياة بعد الهجوم الإسرائيلي – وتجنّب حرب أكثر تدميرًا مع الولايات المتحدة مع الاستمرار في الرد العسكري – شكّل معيار النجاح.
تم تدمير معظم الدفاعات الجوية الإيرانية، وقُتل عدد كبير من كبار القادة العسكريين، ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارًا الإيرانيين للانتفاض، كما هدد باغتيال المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي.
ورغم أن النظام لم يُسقط، ولم يُقتل قائده، إلا أن هذا الهجوم العسكري قد يُعيد تشكيل إيران بشكل عميق – كاشفًا نقاط ضعفها، ومُطلقًا ما يرى بعض المراقبين أنه قد يكون التغيير الأكبر منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
قال محمد صادق جوادي حصار، السياسي الإصلاحي والسجين السياسي السابق، والذي لا يشك في بقاء النظام:
“الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد هذه الحرب ستُولد من جديد، وستكون مختلفة تمامًا عما كانت عليه قبلها… لن يتغير اسمها، لكن طريقتها ستتغير.”
أسس المرشد الأعلى الأول للجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، نظامًا يتضمن رئيسًا منتخبًا وبرلمانًا.
لكن وعلى مدار ثلاثة عقود، قاوم المرشد الحالي خامنئي والمراكز المتشددة المحيطة به الإصلاحات الهيكلية بعناد، وقمعوا بشكل منهجي مطالب جيل شاب محبط في مجتمع بات أكثر علمانية.
ومع تصاعد الاستياء من النظام على مدار العقدين الماضيين، فعلت القيادة كل ما بوسعها لإفشال أو تأجيل الإصلاحات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وقد ردت السلطات على أربع انتفاضات كبرى على الأقل منذ عام 2009 بحملات قمع عنيفة، واعتقالات، وقتل لمئات النشطاء والمواطنين.
ولم تقبل بأي تغييرات، مثل التوقف عن تطبيق قانون الحجاب، إلا كإجراءات براغماتية لخفض التوتر.
ورغم كل ذلك، فإن كثيرًا من الإيرانيين – بمن فيهم معارضو النظام المتشددون – وضعوا جانبًا إحباطهم الطويل من القيادة الثيوقراطية خلال الحرب، مع تنامي شعور قومي طارئ.
لكن النتائج الصادمة للحملة الجوية الإسرائيلية المدمرة تجعل من التغيير الآن أمرًا لا مفر منه، وفقًا للمحللين.
قال ولي نصر، أستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن:
“حتى وإن بقيت الجمهورية الإسلامية بالاسم فقط، كما هو الحال في الصين حيث ما زال الحزب الشيوعي يحكم، فإنها لن تبقى كما كانت… اللحظة الدقيقة ليست واضحة، ولا القيادة المقبلة، لكننا على حافة ذلك.”
أحد المطلعين على النظام أقر بأن إيران “تعرضت لفشل استخباراتي كبير بسبب الاختراقات”.
وقال: “خسرنا العديد من الشخصيات الرفيعة، لكن لا أحد لا يمكن الاستغناء عنه. ما يهم هو المؤسسات، لا الأفراد”.
وأضاف مشيدًا بالقدرات الصاروخية الإيرانية: “إيران ستخرج أقوى عسكريًا، وستُحكم إجراءاتها الأمنية بشكل حاسم.”
قبل الحرب، كان الموضوع السائد في السياسة الإيرانية والذي أثّر على قرارات السياسة الخارجية، هو مسألة خلافة المرشد خامنئي البالغ من العمر 86 عامًا، وما قد يترتب على ذلك من تغييرات.
ويُعد خامنئي، الذي يحكم منذ عام 1989، الزعيم الأطول بقاءً في الشرق الأوسط، وقد كانت أولويته بقاء النظام وضمان انتقال سلس للسلطة عند وفاته.
قال المصدر المطلع داخل النظام، إنه لو قُتل خامنئي، لتولى خلفه المنصب “خلال ساعتين”، مضيفًا أن بقاء الجمهورية الإسلامية لم يكن سيكون في خطر.
لكن ولي نصر، مؤلف كتاب “الاستراتيجية الكبرى لإيران: تاريخ سياسي”، قال إن “الانتقال الكبير” الذي كانت إيران تتوقعه مع وفاة خامنئي، سيتسارع على أي حال.
وأضاف: “الحرب سرعت ذلك لأنها دفعت النظام إلى حافة الانهيار، وأصبح ضعيفًا للغاية.”
وقد يؤثر هذا التغيير في مسار الخلافة. فالوجهة التي سيتخذها النظام في غياب خامنئي كانت دائمًا موضع نقاش: هل ستصبح أكثر عسكرية ولكن براغماتية؟ أم ستتعمق في الأيديولوجيا؟ أم ستتجه نحو الإصلاح؟
ورغم أن خلفًا لخامنئي لم يُسمّ بعد، إلا أن ابنه مجتبى يُعتبر الأوفر حظًا في ظل غياب مرشحين واضحين.
لكن الحرب قد تقلب هذه التوقعات، بحسب المحللين.
قال مهرزاد بروجردي، الأكاديمي الإيراني-الأميركي المقيم في الولايات المتحدة:
“هل سيكون الخليفة رجل دين آخر؟ لا أظن أن هذا مقبول لدى عامة الناس… أم سيتجهون نحو شخصية مثل جنرال متقاعد من حقبة حرب إيران-العراق قد يحظى ببعض القبول الشعبي؟”
الفرق الأساسي هذه المرة مقارنة بفترات اضطراب سابقة، هو عدم وجود معارضة منظمة وذات مصداقية داخل إيران أو خارجها.
كما أن الأجيال الأكبر لا تزال تحمل ذكريات غاضبة من تغييرات فرضتها قوى أجنبية على بلادهم، مثل الغزو والاحتلال البريطاني-السوفيتي لإيران عام 1941، الذي أدى إلى تنازل الشاه رضا بهلوي عن العرش، والانقلاب الذي دبرته المخابرات البريطانية والأميركية ضد رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق في الخمسينيات.
وفقًا للنظام الذي أسسه الخميني، لدى إيران رئيس منتخب وبرلمان يمكنهما التأثير على السياسات، لكن السلطة العليا تبقى في يد المرشد الأعلى والمؤسسات المتشددة، مثل الحرس الثوري والقضاء والمؤسسات الدينية.
في السنوات الأخيرة، شُوهت صورة الأذرع العسكرية والاستخباراتية للنظام باتهامات بالفساد واختراق من قبل عملاء إسرائيليين، وتعرضت لسلسلة من الضربات القاسية منذ بدء الحرب الإسرائيلية.
قُتل اللواء محمد باقري في اليوم الأول من الضربات، لكن خامنئي سارع بتعيين خلفه، الجنرال عبد الرحيم موسوي، وهو ما اعتُبر إشارة إلى أن النظام لا ينوي تبني مسار أكثر تشددًا.
وقد رُؤي تعيين موسوي كعلامة على احتمالية التغيير، لأنه ضابط معتدل من الجيش النظامي، وليس من الحرس الثوري الذي كان ينتمي إليه باقري.
قال جوادي حصار:
“بما أن القومية، وليس الأيديولوجيا، هي التي فرضت نفسها على النظام، فإن قادة إيران – بغض النظر عن أسمائهم ومن سيكون في السلطة – سيخضعون لتحول داخلي.”
وأضاف: “أي انتقال تفرضه قوى خارجية سيحول إيران إلى أفغانستان أخرى.”
أما بروجردي فقال إن الحرس الثوري قد يتولى زمام الأمور في مرحلة ما، واصفًا إياهم بأنهم الجهة التي تملك “العضلة المؤسسية الآن”.
وأضاف: “الحرس يدرك أفول الطبقة الدينية… رغم أن الاحتمال لا يزال ضئيلًا، إلا أن هناك فرصة أن يبرز شخص طموح شاب من صفوفهم ويقول: ‘من أجل مصلحة الوطن، علينا أن نفعل كذا، نقبل القيود النووية، نعلن عفوًا سياسيًا، أو نشكل حكومة ائتلافية’.”
أما سانام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في تشاتام هاوس، فقالت:
“الأنظمة لا تنهار، بل تتغير. وهذا ما سيحدث… إنها ستتطور، وربما بوتيرة أسرع مما كانت تتطور به أصلًا.”




