تقاريرسياسة

الضربات الأمريكية على إيران تتيح لنتنياهو إنهاء الحروب مع إيران وغزة

اخبار نيوز بالعربي

كتبت: إسراء عبدالله
المصدر: مقال ل إيهود أولمرت في الإيكونومست

تشكل الضربات الأمريكية على المواقع النووية الثلاثة في إيران تصعيدًا دراماتيكيًا في الصراع الذي بدأ في 13 يونيو بالهجوم الإسرائيلي على إيران.

الرئيس دونالد ترامب، بطريقته المعتادة التي تتسم بعدم التنبؤ، قرر القيام بخطوة كان قد تجنبها لسنوات، سواء خلال ولايته الأولى أو في الأشهر الأخيرة، رغم تهديداته المتكررة لطهران.

ويُحسب له أنه نفّذ ما وعد به العديد من أسلافه.

فقد حذّر جورج بوش الابن وباراك أوباما وجو بايدن من أن إيران نووية تُشكل تهديدًا للسلام العالمي، وأكدوا أن أمريكا ستستخدم كل الوسائل المتاحة لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي.

وعلى مدى هذه السنوات، خاصة منذ عودته إلى رئاسة الحكومة عام 2009، حوّل بنيامين نتنياهو مسألة البرنامج النووي الإيراني إلى محور العقيدة الأمنية لإسرائيل.

أطلق التحذيرات، هدد، واستعد لشن ضربة عسكرية على إيران. كانت الولايات المتحدة تؤيد الهدف، لكنها رفضت السماح لإسرائيل أو لتعاون عسكري مشترك بشن ضربة.

في مواجهة هذه التحركات، سعى أوباما لمنع الحرب، فأطلق مفاوضات سرية مع إيران أدت إلى الاتفاق النووي الدولي، الذي حدّ من الأنشطة النووية الإيرانية لأغراض مدنية فقط.

وعلى الرغم من الانتقادات، اعتبر العديد من الخبراء الأمنيين الإسرائيليين أن آليات الرقابة فيه كافية لمنع إيران من إنتاج قنبلة نووية.

لكن نتنياهو هاجم الاتفاق بشدة، وشن حملة علنية ضده، بلغ ذروتها بخطاب أمام الكونغرس الأميركي لدفعه نحو رفض الاتفاق، مما أضر مؤقتًا بالعلاقات بين تل أبيب وواشنطن.

رغم تمسك أوباما بموقفه، كثفت إسرائيل عملياتها السرية لتقويض قدرات إيران النووية، بما في ذلك اغتيالات وهجمات سيبرانية.

وفي إحدى الحالات النادرة، تبنّت إسرائيل رسميًا عملية مصادرة أرشيف نووي إيراني من مخزن سري في طهران، والذي أظهر – بشكل مفاجئ – التزام إيران الكامل ببنود الاتفاق.

ومع ذلك، انسحب ترمب من الاتفاق بعد توليه الرئاسة عام 2017، فاتحًا الباب أمام إيران لتعلن استئناف التخصيب بوتيرة متسارعة تقترب من عتبة إنتاج قنبلة.

أما بايدن، فرغم وعده بإحياء الاتفاق، لم يفلح. ثم أعيد انتخاب ترمب، ليجدد التزامه بمنع إيران من حيازة قدرة نووية.

ضربات نهاية الأسبوع على فوردو ونطنز وأصفهان غيّرت قواعد اللعبة. فقد جُمّدت التهديدات النووية الإيرانية مؤقتًا، لكن التداعيات تتجاوز ذلك بكثير.

لقد جاءت الضربات الأمريكية مكملة لهجمات إسرائيلية موسعة شاركت فيها مئات الطائرات، مدعومة بمعلومات استخباراتية دقيقة وقدرات سيبرانية غير مسبوقة.

القرار بشن الهجوم كان استثنائيًا وشجاعًا – والفضل فيه يعود بالكامل إلى نتنياهو.

لسنوات اعتدنا في إسرائيل على خطاب نتنياهو المتعالي والملتهب، باللغتين العبرية والإنجليزية، وهو يتوعد بـ”محو أعداء إسرائيل” وفي مقدمتهم إيران.

لكننا كنا نعتقد دومًا أن هناك فجوة كبيرة بين خطابه وقدرته الفعلية على اتخاذ قرارات تتطلب مجازفة كبيرة سياسيًا وأمنيًا.

هذه المرة، فاجأ نتنياهو معارضيه في الداخل، وأنا منهم، وكذلك منتقديه في الخارج.

رغم كل المؤشرات التي كانت تدل على قرب المواجهة، بدا أن إيران قد تعلمت التمييز بين خطاب رئيس الوزراء وقدرته على التنفيذ – لكنها أخطأت التقدير هذه المرة وتلقت ضربة قاسية.

إيران لم تُهزم فقط في المواجهة مع إسرائيل، بل أيضًا تراجعت مكانتها الإقليمية.

قدرتها على زعزعة استقرار الشرق الأوسط تراجعت بشكل ملحوظ.

لكن لا ينبغي فقدان الإحساس بالحجم الحقيقي.

إيران ليست منظمة إرهابية، وليست حزب الله أو حماس أو الحوثيين، رغم أنها تستخدمهم كوكلاء في صراعاتها مع إسرائيل. لكنهم ليسوا إيران.

الاعتقاد بأن ضربات استباقية عسكرية يمكنها إخضاع أمة تضم أكثر من 90 مليون نسمة – أمة ذات حضارة ضاربة في أعماق التاريخ، تمتلك بنية صناعية وأكاديمية وموارد طبيعية تجعلها من كبار مصدري النفط والغاز – هو اعتقاد متغطرس وغير واقعي.

إيران لن تنهار، ولن تتفتت، حتى بعد هذه الضربة القاسية. لا ننسى أنها لا تزال تملك ترسانة صاروخية ضخمة، قصيرة وطويلة المدى.

نتنياهو، مع وزير دفاعه يوآف غالانت وشركائه من التيار الديني القومي المتطرف، يرغب في توسيع الحرب – في غزة والضفة الغربية، إضافة إلى إيران.

وربما يشعرون بالرضا حاليًا، لكن لا بد من التذكير بأن إسرائيل عاشت أكثر من أسبوع في شلل شبه كامل: المدارس مغلقة، المصانع والمتاجر متوقفة، المطار بالكاد يعمل، ومئات الآلاف من الإسرائيليين عالقون في الخارج.

السؤال الآن: ماذا بعد؟

ماذا يريد ترمب حقًا؟ هل تملك إسرائيل خطة واقعية لإنهاء الحرب مع إيران؟ وكيف سترد طهران؟

لا أملك نصيحة لإيران، سوى أن تتغلب على إحراجها، وتعيد التفكير بشكل جذري في ما إذا كانت استراتيجيتها العقائدية تخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية حقًا.

أليس من الحكمة أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتفتح صفحة جديدة من الحوار مع الولايات المتحدة وأوروبا؟

هل من المصلحة الآن أن تهاجم القواعد الأميركية بالصواريخ، وتجر جيوش العالم الأقوى إلى حرب شاملة ومدمرة؟

أعتقد أن ترمب، وقد امتلأ إعجابًا بقراره المصيري، سينتظر بصبر ليرى كيف ستتعامل إيران مع هذه الضربة المهينة، قبل أن يقرر ما إذا كان سيأمر بضربات أخرى. لدى الرئيس وقت – الكثير من الوقت.

وماذا عن إسرائيل؟

من الواضح تمامًا أن الضربات الأميركية ألغت الحاجة إلى استمرار القتال ضد إيران.

خلال الأيام التسعة الماضية، حققت إسرائيل إنجازات تتجاوز كل توقعاتها.

ونجح نتنياهو في تحويل الأنظار بعيدًا عن الحرب المتعثرة في غزة، حيث لا تزال هناك 50 رهينة بيد حماس، وجنود يُقتلون، وآلاف المدنيين الفلسطينيين يُقتلون كذلك.

مواصلة الحرب في غزة لن تجلب لإسرائيل أي نصر يتناسب مع الثمن: ثمن الجنود القتلى، الرهائن، الفلسطينيين، وتآكل الدعم الدولي.

قرار ترمب بإرسال القاذفات قد منح إسرائيل فرصة ثمينة لإنهاء الحرب مع إيران، وقد تحررت من التهديد النووي لسنوات قادمة – وهو أمر طالما حلمت به. وهذه أيضًا فرصة مناسبة للخروج من حرب غزة.

التجارب السابقة تشير إلى أن نتنياهو يعرف كيف يبدأ الحروب، لكنه يفتقر إلى القدرة والخيال والشجاعة – بحكم اعتماده الكامل على شركائه السياسيين – لإنهاء واحدة.

في الأسابيع القادمة، سيمشي على حبل مشدود.

إن كان حكيمًا وشجاعًا ومسؤولًا، فسينهي القتال وسينال التقدير.

أما إن استسلم لغطرسته وخطابه الفارغ، فسيدمر كل ما تحقق – من الأمن، إلى الأمل، الذي كان يمكن أن يمنحه لدولة إسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى