تقاريرسياسة

قيود الصين على تصدير المغناطيسات النادرة

اخبار نيوز بالعربي

كتبت: سهام إبراهيم علي حسن

كشفت القيود الجديدة التي فرضتها الصين مؤخرًا على تصدير المغناطيسات المقاومة للحرارة المصنوعة من معادن نادرة، عن ضعف كبير في سلسلة الإمداد الأمريكية للصناعات الدفاعية، وذلك في توقيت حرج تسعى فيه واشنطن وشركاؤها الأوروبيون لتعويض النقص في مخزونات الأسلحة المتقدمة.

إذ تعتمد أنظمة تسليح رئيسية مثل الصواريخ والمقاتلات والقنابل الذكية على معدن نادر يُعرف باسم “الساماريوم”، الذي يُستخدم بشكل أساسي في التطبيقات العسكرية نظرًا لتحمله درجات الحرارة المرتفعة.

ومن دون هذه المغناطيسات، يواجه التصنيع الدفاعي الأمريكي تحديات تقنية ولوجستية خطيرة.

تشديدات تصديرية صينية

في خطوة مفصلية، أعلنت وزارة التجارة الصينية في 4 أبريل الماضي عن وقف تصدير سبعة أنواع من المعادن النادرة، من بينها مغناطيسات تُستخدم في المجالات العسكرية والمدنية، وأدخلت نظامًا جديدًا لتراخيص التصدير، مبررة القرار باعتبارات تتعلق بـ”الأمن القومي” و”الامتثال للاتفاقيات الدولية الخاصة بمنع الانتشار”.

ورغم أن الصين سمحت بتصدير بعض المعادن النادرة مثل “الديسبروسيوم” و”التيربيوم” المستخدمة في صناعات السيارات، إلا أنها حتى الآن لم تُصدر أي تراخيص لتصدير “الساماريوم”، بحسب مسؤولين أمريكيين.

هذا الوضع يُعقّد بشكل كبير إنتاج أنظمة تتطلب مواد تتحمل درجات حرارة مرتفعة، مثل الأسلحة المتقدمة.

اعتماد أمريكي عميق

الولايات المتحدة، التي فشلت طوال العقد الماضي في تأمين بدائل موثوقة للإمدادات الصينية من الساماريوم، تجد نفسها في موقف ضعيف، خاصة وأن هذا المعدن أصبح أحد محاور التفاوض في المحادثات التجارية الجارية بين واشنطن وبكين في لندن.

وتستخدم شركة “لوكهيد مارتن”، إحدى أبرز شركات الصناعات الدفاعية الأمريكية، نحو 50 رطلًا من مغناطيسات الساماريوم في كل مقاتلة من طراز “إف-35”.

ورغم حساسية الموقف، اكتفت الشركة بتصريح مقتضب قالت فيه إنها “تقيّم باستمرار سلسلة الإمداد لضمان توفر المواد الحرجة لدعم مهام عملائها”، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.

إخفاقات في بناء بدائل

وبينما تدّعي إدارة بايدن إدراكها المبكر لمخاطر الاعتماد على الصين، فإن المشاريع الأمريكية البديلة لا تزال متعثرة.

فقد مُنحت عقود لإنشاء منشأتين لإنتاج الساماريوم داخل البلاد، لكن أياً منها لم يُنفذ فعليًا، نتيجة مخاوف تتعلق بالجدوى الاقتصادية والمنافسة الصينية.

وكانت الولايات المتحدة قد أطلقت مشروعًا لإعادة تشغيل منجم “ماونتن باس” في كاليفورنيا في 2010، بقيمة مليار دولار، إلا أن المشروع توقف لاحقًا لعجزه عن معالجة الساماريوم بشكل فعال.

ورغم إعادة تشغيل المنجم عام 2018 بواسطة شركة “MP Materials” بدعم من البنتاغون، فإن الإنتاج الفعلي للساماريوم لم يبدأ حتى اليوم بسبب ضعف الطلب وتكلفة الإنتاج.

في المقابل، لم تنفذ شركة “Lynas” الأسترالية مشروع مصنعها في تكساس رغم تلقيها تمويلًا أمريكيًا بقيمة 351 مليون دولار.

توقيت حساس

تأتي هذه الأزمة في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة على إعادة بناء مخزونها من الأسلحة المتقدمة، بعد أن أُنهكت المخزونات بسبب المساعدات العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل، إضافة إلى مساعي إدارة ترامب لتسريع تسليح تايوان في ظل تصاعد التوتر مع بكين.

كما أن الإجراءات الصينية لم تقتصر على تقييد تصدير المعادن النادرة، بل شملت أيضًا فرض عقوبات على شركات دفاع أمريكية بسبب دورها في تسليح تايوان، ما يعمّق التوترات ويزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي.

هيمنة صينية منذ التسعينات

منذ سبعينيات القرن الماضي، اعتمدت الجيوش الغربية على مصنع كيميائي في مدينة “لاروشيل” الفرنسية لمعالجة الساماريوم، إلا أن المصنع أغلق عام 1994 لأسباب اقتصادية وبيئية، ما فتح المجال أمام هيمنة الصين، وتحديدًا مدينة “باوتو” في منغوليا الداخلية، على هذا القطاع الحيوي.

اليوم، تسعى واشنطن جاهدة إلى كسر هذا الاحتكار، لكن الواقع يُظهر أن فك الارتباط عن سلاسل الإمداد الصينية في مجال المعادن النادرة لن يكون سهلًا، لا من الناحية التقنية ولا الاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى