
كتبت: إسراء عبدالله
المصدر: افتتاحية واشنطن بوست
لا يمكن استئناف المساعدات الإنسانية الكافية إلا عند انتهاء الحرب.
استمرّت معاناة غزة لوقت طويل — أكثر من 19 شهرًا منذ أن نفذت حماس هجومها الإرهابي المروع على إسرائيل — حتى إن أي كمية من المساعدات الإنسانية يجب أن تكون موضع ترحيب.
ولكن الرد على الجوع والحرمان الواسعين في غزة كان أقل بكثير من المطلوب. وقد أظهرت الفوضى التي أحاطت بإطلاق نظام توزيع المساعدات الجديد هذا الأسبوع، والخاضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي، مدى يأس الناس، إذ اندفعت الحشود الجائعة نحو الموقع.
يدار هذا النظام الجديد من قبل مؤسسة خاصة غير ربحية تُدعى “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، التي لها صلات بالحكومتين الإسرائيلية والأميركية.
وهي تمثل رد إسرائيل على تحذيرات حتى من أقرب حلفائها بأن المجاعة الجماعية في غزة أمر غير مقبول — أو كما وصفها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ “الخط الأحمر”.
وكان نتنياهو قد أوقف إدخال المساعدات إلى غزة في مارس في محاولة لإجبار حماس على إطلاق سراح ما تبقى من الرهائن الإسرائيليين، وإلقاء سلاحها، والتخلي عن السيطرة على القطاع.
وادعى نتنياهو، دون تقديم دليل، أن المساعدات الإنسانية التي كانت توزع سابقًا من قبل الأمم المتحدة وغيرها من وكالات الإغاثة الدولية كانت تُحوَّل وتُباع من قبل حماس للحفاظ على سيطرتها.
ووفقًا للنظام الجديد، يجب أن تمر جميع المساعدات عبر مؤسسة GHF، التي تعتمد على شركات أمنية عسكرية أميركية خاصة لتوفير الحماية، وتوزع طرودًا غذائية في نقاط توزيع محددة تحيط بها دبابات وجنود إسرائيليون.
لكن هذه الخطة غير كافية، وخطيرة، وفي نهاية المطاف غير قابلة للتطبيق.
غير كافية لأنها تنص على وجود أربع نقاط توزيع فقط لتوفير المساعدات لما يقرب من مليوني فلسطيني في غزة.
وتقول إسرائيل إن اثنتين من هذه النقاط تعمل حتى الآن (بينما وجد الصحفيون يوم الثلاثاء واحدة فقط).
وتقول إسرائيل إنها سترسل نحو 100 شاحنة يوميًا إلى غزة، خمسة أيام في الأسبوع. قبل الحرب، كانت تصل إلى غزة نحو 500 شاحنة مساعدات يوميًا — أي حوالي 10,000 شهريًا؛ وكانت الأمم المتحدة وغيرها من وكالات الإغاثة توزع الغذاء في مئات المراكز المنتشرة في القطاع.
وتسعى إسرائيل أيضًا إلى حصر نقاط توزيعها في الجزء الجنوبي من القطاع، مما يعني أن على الفلسطينيين الجائعين في شمال غزة أن يسيروا عدة أميال للوصول إليها.
ويخشى كثيرون من أن الهدف هو تهجير السكان قسرًا، ربما تمهيدًا لطردهم النهائي من غزة — وهو أمر طالما دعا إليه المتطرفون الإسرائيليون.
وقد عزز نتنياهو هذه الشكوك يوم الثلاثاء عندما قال إن الفكرة هي “إنشاء منطقة معقمة في جنوب غزة يمكن للسكان جميعًا الانتقال إليها لحمايتهم”.
الخطة خطيرة لأنها تجبر الفلسطينيين على المرور عبر نقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية محاطة بأسلاك، والخضوع لفحص الهويات، ثم الاقتراب من المتعاقدين المسلحين الذين يحرسون عمليات التسليم.
بمعنى آخر، إنها تُعسكر توزيع المساعدات. ومثال على ما قد يحدث، ما حصل يوم الثلاثاء عندما قُتل فلسطيني واحد وأُصيب 48 آخرون، معظمهم بطلقات نارية، بعدما أطلقت القوات النار لاحتواء الحشود المتدفقة.
وإذا لم يُسمح بدخول المزيد من المساعدات قريبًا، يمكن توقع المزيد من الفوضى وإطلاق النار.
يوم الأحد، استقال المدير التنفيذي لمؤسسة GHF، جيك وود، قائلاً إن خطط المجموعة تتعارض مع “المبادئ الإنسانية للإنسانية والحياد وعدم التحيز والاستقلالية” كما استقال كبير مسؤولي العمليات في المؤسسة أيضًا.
ويبدو أن الخطة غير قابلة للتطبيق على المدى البعيد. حتى لو نجحت وفقًا لمعايير إسرائيل — أي بتقديم الحد الأدنى من المساعدات لغزة في بيئة شديدة السيطرة — فإنها في الوقت نفسه تهجّر ما يقرب من مليوني فلسطيني أُجبروا أصلاً على النزوح بسبب القصف المستمر.
وكانت إسرائيل قد وعدت سابقًا بالانسحاب من معظم غزة كجزء من هدنة قصيرة، لكنها الآن تبدو عازمة على احتلال غزة مجددًا.
تواجه إسرائيل تزايدًا في الانتقادات من حلفائها، بمن فيهم بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
حتى الرئيس الأميركي دونالد ترامب طالب إسرائيل بإنهاء الحرب. كما بدأ الرأي العام الإسرائيلي يتحول ضد استمرار القتال، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا الضغط سيؤثر على نتنياهو.
إن الحلفاء ومواطني إسرائيل على حق: يجب على البلاد أن توقف القصف، وتعود إلى وقف لإطلاق النار لتأمين إطلاق سراح الرهائن المتبقين، وأن توافق على خطة تسمح للفلسطينيين بحكم أنفسهم من دون حماس. عندها فقط، يمكن أن تتدفق المساعدات إلى غزة بحرية من جديد.