تقاريرسياسة

السعودية المُسرفة لم تعد قادرة على تمويل العالم!!

اخبار نيوز بالعربي

كتبت: إسراء عبدالله
المصدر: بلومبيرغ

عندما سافر ترمب إلى الخليج الأسبوع الماضي لعقد صفقات لصالح الشركات الأميركية، كان يسير على طريق مألوف.

فقد أدرك مديرو الأصول في الغرب منذ سنوات أن الإيرادات المتزايدة من الوقود الأحفوري في الخليج تمثل أفضل مصدر لرأس المال الجديد عالميًا.

طوال عقود، حققت السعودية والكويت وقطر والإمارات إيرادات سنوية من النفط والغاز تفوق بكثير ما يمكنها استثماره داخليًا، فاستثمرت معظم تلك الأموال في صناديقها السيادية، وضخّت مبالغ هائلة في الأسهم والسندات والعقارات والبنية التحتية حول العالم.

مقابل ذلك، اكتسبت تلك الدول نفوذًا، وقوة، وحيادًا استراتيجيًا — في الشرق الأوسط وحول العالم.

وقد أقرّ ترمب بهذا الواقع من خلال اختياره الرياض والدوحة وأبوظبي كوجهات أولى لزياراته الرسمية في ولايته الثانية.

والنتيجة: التزامات بمئات المليارات من الدولارات في مجالات شتى — من توربينات محطات الطاقة إلى طائرات بوينغ.

وبالنظر إلى استمرار أهمية موارد الخليج النفطية، يبدو أن هذا الديناميك سيستمر.

لكن هناك استثناء بارز: السعودية لم تعد مزودًا صافياً لرأس المال الخارجي. إذ بدأ صندوقها السيادي (صندوق الاستثمارات العامة) حتى في تقليص بعض مشاريعه.

حتى عام 2024، كانت السعودية تسجل عجزًا في الحساب الجاري فقط عندما تنهار أسعار النفط — كما حدث في 2015 و2016 بعد محاولتها الفاشلة لضرب إنتاج النفط الصخري الأميركي، وأثناء صدمة كوفيد-19.

لكن بعد عقد من الإنفاق غير المسبوق على التحول الاجتماعي والاقتصادي والجيوسياسي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، لم تعد الإيرادات كافية لتمويل كل شيء — لا سيما مع هبوط سعر برميل برنت إلى نحو 65 دولارًا.

وأصبحت المملكة الآن مستهلكًا صافياً لرأس المال، وقد راكمت ديونًا خارجية بقيمة 142 مليار دولار.

برنامج بن سلمان للتحول الوطني — أحد أكثر خطط بناء الدولة طموحًا في العصر الحديث — لا يسعى فقط لتنويع الاقتصاد السعودي من خلال مدن جديدة فاخرة ومنتجعات فخمة وصناعات متقدمة، بل يسعى أيضًا لكسب نفوذ جيوسياسي وقوة ناعمة عبر استضافة فعاليات باهظة مثل “إكسبو 2030” وكأس العالم لكرة القدم 2034.

وقد قدّر زميلاي ماثيو مارتن وزينب فتاح الكلفة الإجمالية المتوقعة لهذه المشاريع بنحو 2 تريليون دولار.

لكن جهود ترمب لدفع أسعار النفط للانخفاض لن تساعد. فبحسب زياد داوود، كبير خبراء الأسواق الناشئة لدى بلومبيرغ، تحتاج السعودية إلى متوسط سعر نفط يبلغ 96 دولارًا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها خلال الربع الأول من 2025 (و113 دولارًا إذا شملت التزامات صندوق الاستثمارات العامة).

بينما يتطلب سد العجز في الحساب الجاري سعرًا عند 82 دولارًا.

قال داوود: “في الماضي، كلما واجهت السعودية عجزًا في الميزانية، كانت تقلّص الإنفاق الرأسمالي.

أما الآن، فالتزاماتها في مشاريع البنية التحتية تحدّ من مرونتها بشكل كبير”.

هذا لا يعني أن السعودية على وشك الإفلاس. فهي ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، وستستمر في توليد مئات المليارات من الدولارات سنويًا.

ومع أحد أدنى معدلات الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، يمكنها الاستمرار في الاقتراض لسنوات قادمة.

لكن المعنى الحقيقي هو أنها تتخلى عن بعض نفوذها الاقتصادي.

فمن خلال اعتمادها على ممولين أجانب لتغطية العجز، تفقد المملكة بعضاً من قوتها التفاوضية.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت رهاناتها على القوة الناعمة (مثل بطولة “ليف غولف” المدعومة سعوديًا) أو على التأثير الجيوسياسي عبر سلسلة مؤتمرات “مبادرة مستقبل الاستثمار” ستحافظ على زخمها العالمي إذا لم تكن مدعومة بسخاء الصندوق السيادي.

وهذا يفتح الباب أمام دول الخليج الأخرى لاستعراض نفوذها — وهو ما تقوم به قطر بوضوح في منتدى قطر الاقتصادي هذا الأسبوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى