يسير أنتونيو كونتي جيداً ليكون بطلاً و مساهما رئيسياً في فوز نابولي بالدوري الايطالي، ليست تلك سوى عادة مكررة في مسيرة أنجح مدربي العالم عندما يتعلق الأمر بلعب مباراة واحدة في الأسبوع، و قد لا يبدوا كذلك إذا أضفت له مباراة أخرى في نفس الأسبوع، كما يقول تاريخ الرجل الخالي تقريباً من أي نجاحات أوروبية تذكر، هذا التناقض الواضح في مسيرة الرجل قد يبدوا من الإغراء دراسته لأي مهتم بالرجل أو بعالمه! .
لنبدأ بقراءة هذه المعلومة المثيرة عن كونتي، حينما يلعب مباراةً يحضر لها تحضيرًا يقل عن 72 ساعة، يكون معدل نقاطه لكل مباراة هو 1.4 فقط، الرقم يتضاعف تقريبًا حينما يحضر مباراةً لأكثر من 92 ساعة، حيث أن معدل نقاطه لكل لقاء هو 2.6 وهو رقم مهول للغاية، لاحظ الفرق و لنبدأ النقاش! .
بدت محاضرات كونتي مملة للغاية في موسمه الثاني عندما كان عليه أن يلعب محلياً و أوروبيا مع تشيلسي كما يدعي بعض من لاعبي فريقه آنذاك كما كانت حصصه التدريبية مرهقة للغاية، الكثير من المعلومات و الكثير التوقفات، يقوم كونتي بأربع محاضرات في الأسبوع إذا كان عليه أن يلعب مباراة كل ثلاثة أيام، لكن تلك ليست ربما هي المشكلة الرئيسية! .
يكمن تعقيد المسألة في العملية التعليمية التي يتبعها كونتي في نموذجه التدريبي، إنها عملية تلقينية شاقة، يتعلق الأمر بالكثير من الأنماط التي على اللاعبين أن يقومون بحفظها وعلى الأرجح تتغير تلك الأنماط من مباراة الى أخرى .
إذ أن هذه العملية تحتاج للكثير من الطاقة الذهنية، يتصرف اللاعبون وفق ما تمليه ذاكرتهم، إذ أنهم لا يفكرون فيما يفعلون و حيث يتصرفون وفق ما يفرزه اللاواعي بشكل تلقائي، بينما يعتمد كونتي على عملية تعليمية تحتاج للكثير من الوعي، بحيث أن عليك التفاعل مع الكثير من المعلومات الجديدة و التي قد تكون مختلفة عن سابقتها .
إليك هذا المثال ليوضح الفرق ، إذا قرر كلوب مثلاً مواجهة فريق مثل برشلونة الحالي، سيقوم بتمرين بسيط كمحاكاة لمنافسه لكنه سيتبع طريقا مختلفاً عن كونتي في صياغة طريقته التعليمية، إذ سيقوم مثلاً بتمرين 11 ضد 11، و يقول للفريق الذي سيلعب أساسياً بأنه إذا استطاع بناء اللعب بالخروج بالكرة من العمق نحو الطرف سيكون قد حقق هدفه، بناءا على خصمه (برشلونة) الذي يحاول دائما إرسال منافسه الى العمق أكثر، سيكون هذا تحديا مشابهاً للمباراة، لن يقول كلوب الكثير من المعلومات، لقد وضع مبدأ واضحاً و على اللاعبين إيجاد الحل من خلال قدراتهم الذاتية! .
بينما سيفكر كونتي بطريقة مغايرة لحل هذا اللغز، سيقوم بتعليم لاعبيه أنماط جديدة للخروج من ضغط برشلونة، يعني ذلك منح لاعبيه المزيد من المعلومات و بطريقة تعليمية مباشرة و محددة، تتوقف الحصة هنا لمرات للتصحيح و إعادة التمركز، سيبدو الأمر متطلباً و مكلفا ذهنيا، حيث على اللاعبين استخدام وعيهم المطلق بينما في الحالة الأولى سيتصرفون من اللاواعي دون دفع الكثير من التكاليف الذهنية! .
طاقة التفكير بوعي متطلبة للغاية، مرهقة جداً، هل تتذكر الأيام الأولى التي كنت فيها تلميذا في مدرسة تعليم السياقة؟ بينما يبدوا الأمر بسيطاً للغاية و أنت تقوم الآن بسياقة سيارتك، الأيام الأولى كنت تسخدم عقلك الواعي و الآن أن تتصرف عن لاوعي، بتلقائية بسيطة، لقد كنت كونتي سابقاً و الآن أصبحت كلوب! .
قد يبدوا هذا فرقاً بسيطاً كذلك بين طريقتين تعليميتين، المباشرة أو الاستكشافية، بين من يعملك نمطاً محفوظاً و من يمرر لك مبدأ واضحاً .
تسير كرة القدم خاصة الاوروبية منها للمزيد من المباريات، ضغوطات كبيرة و راحة أقل، هذا ربما ما جعل بعض المدربين لا يرغبون في تغيير أساليبهم حتى و إن اختلفت نوعية الخصوم، ليس لأنهم ليسوا بتلك المرونة بل ببساطة لأن الوقت لم يعد كافياً لافتعال المزيد من المشاكل و بذلك عليهم دائماً إتباع الطرق الأقل اكتظاظا في المعلومات و الأكثر استكشافاً للاعبين .