صحة

د. آمال عيد لـ “نيوز بالعربي”: الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية

د. آمال عيد لـ "نيوز بالعربي": الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية

إدارة الحوار/ عبدالرحمن فتحي عبدالنعيم نائب رئيس تحرير نيوز بالعربي 

في زمن تتسارع فيه الضغوط وتتزايد فيه وتيرة الحياة، تبرز الصحة النفسية كأحد أهم أركان الاتزان الإنساني، لا تقل في أهميتها عن الصحة الجسدية، وربما تتجاوزها في كثير من الأحيان.

وفي هذا الحوار الإنساني العميق، تفتح لنا الدكتورة آمال عيد، أخصائية علم النفس الإكلينيكي، نافذة على عالم النفس البشرية، بخبرة تمتد بين مراكز بحث في العالم العربي ومشاريع توعوية في شرق آسيا، لتؤكد أن الطريق إلى العافية يبدأ من التفاهم مع الذات والتصالح معها، وأن طلب المساعدة ليس ضعفًا بل قوة ناعمة تعيدنا إلى التوازن.

الصحة النفسية
الصحة النفسية

1- في البداية، هل يمكنكِ أن تقدّمي لنا نبذة مختصرة عن نفسكِ وخبرتكِ في مجال الطب النفسي؟

أنا أخصائية في علم النفس الإكلينيكي، حاصلة على درجة الدكتوراه، ولدي خبرة في تقديم العلاج النفسي عبر الإنترنت، كما عملت مع اللاجئين والمهاجرين في عدد من الدول.

وأعيش في تايوان منذ نحو ثماني سنوات، وأشارك حاليًا في مشاريع توعوية وتمويلية تهدف إلى دعم الصحة النفسية وتعزيز الوعي المجتمعي بها.

2- ما الذي دفعكِ لاختيار الطب النفسي كتخصص مهني؟

لم أكن أدرك حين بدأت دراسة علم النفس أنه سيكون أحد أعظم القرارات في حياتي، فقد كانت اللحظة التي قررت فيها اكتشاف ذاتي، هي ذاتها التي بدأت فيها اكتشاف عوالم الآخرين، وبينما كنت أستكشف نفسي، وجدتني أغوص في تجارب الناس من حولي.

حيث شكلت لقاءاتي مع اللاجئين والمهاجرين، حين كنت أعمل في أحد مراكز البحث بالجزائر ومن ثم في غزة، نقطة تحول عميقة في مسيرتي الأكاديمية والإنسانية، فقد رأيت في اختلافاتهم ما يعكس تشابهاتنا العميقة؛ فنحن جميعًا وجوه متعددة للوجود الإنساني ذاته.

أما فلسفتي العلاجية، فتنطلق من الإيمان بأن النفس الإنسانية كيان متكامل: جسدًا ومعرفةً وسلوكًا وروحًا، ولا يمكن تجاوز أي اضطراب أو خلل دون التعامل مع كل هذه الأبعاد في تناغم شامل.

3- من خلال خبرتكِ، ما أبرز المشكلات النفسية التي يواجهها الناس في الوقت الراهن؟

القلق والاكتئاب يأتيان في مقدمة الاضطرابات النفسية الشائعة، إلى جانب اضطرابات ما بعد الصدمة، لا سيما لدى الأفراد الذين مرّوا بتجارب قاسية أو يعيشون في بيئات مضطربة وغير مستقرة.

الصحة النفسية
الصحة النفسية

4- برأيكِ، هل أصبح هناك تحسّن في الوعي بالصحة النفسية داخل مجتمعاتنا، أم أن الوصمة لا تزال قائمة تجاه زيارة الأخصائي النفسي؟

هناك تطور ملحوظ في مستوى الوعي، خصوصًا لدى فئة الشباب، ولكن الوصمة لا تزال حاضرة في بعض الأوساط، ولا يزال البعض ينظر إلى زيارة الأخصائي النفسي كعلامة على الضعف، وهي نظرة مغلوطة ينبغي تصحيحها من خلال التثقيف والانفتاح على أهمية الرعاية النفسية.

5- كيف تنعكس الضغوط اليومية مثل العمل والدراسة والعلاقات الاجتماعية على الصحة النفسية؟ وما السُبل المثلى للتعامل معها؟

تؤثر الضغوط اليومية تأثيرًا بالغًا على التوازن النفسي والجسدي، وقد تؤدي إلى الإنهاك والتوتر المزمن إذا لم يتم التعامل معها بطريقة صحية.

ومن أنجح الوسائل للتعامل معها: إدارة الوقت بفعالية، ممارسة النشاط البدني بانتظام، الحصول على قسط كافٍ من النوم، والانفتاح في الحديث مع شخص موثوق أو مختص نفسي يمكنه تقديم الدعم المناسب.

6- في ظل الانتشار المتزايد لحالات القلق والاكتئاب مؤخرًا، ما الأسباب الجوهرية برأيكِ وراء ذلك؟

هناك عدة عوامل متشابكة تقف وراء هذا الانتشار، منها وتيرة الحياة المتسارعة، والضغوط الاقتصادية المتزايدة، والعزلة الاجتماعية التي يعاني منها كثيرون، فضلًا عن التأثير النفسي العميق للأحداث المؤلمة التي يشهدها العالم، كما يلعب الاستخدام المفرط للتكنولوجيا ووسائل التواصل دورًا في زيادة التوتر والشعور بالوحدة.

7- هل يمكن للفرد أن يتجاوز معاناته النفسية دون اللجوء إلى العلاج الدوائي، أم أن هناك حالات تتطلب تدخلًا طبيًا مباشرًا؟

في بعض الحالات، يمكن للعلاج النفسي وحده أن يكون كافيًا، خاصة إذا تم التدخل في مراحل مبكرة من الاضطراب، ولكن هناك حالات أكثر تعقيدًا أو شدة تتطلب الجمع بين العلاج النفسي والدوائي، ويكون ذلك دومًا تحت إشراف طبي مختص لضمان فعالية الخطة العلاجية وسلامة المريض.

8- من وجهة نظركِ، كيف يمكن للأسرة أن تقدم الدعم لشخص يعاني من اضطراب نفسي؟

يبدأ الدعم الحقيقي بعدم التقليل من مشاعره أو إلقاء اللوم عليه، بل بالاستماع له بإنصات وبدون أحكام، كما أن تشجيعه على طلب المساعدة المهنية، وتوفير بيئة يشعر فيها بالأمان والقبول، يمكن أن يُحدث فرقًا هائلًا في رحلة تعافيه.

الصحة النفسية
الصحة النفسية

9- في ظل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، هل ترين أنها تؤثر سلبًا على الصحة النفسية؟ وكيف يمكن استخدامها بطريقة أكثر توازنًا؟

نعم، يمكن أن يكون لمواقع التواصل أثر سلبي إذا لم يُحسن استخدامها، إذ تؤدي المقارنات المستمرة، وتدفّق الأخبار السلبية، والإفراط في الاستخدام إلى زيادة مشاعر القلق والتوتر.

ولتحقيق توازن صحي، يُفضل تحديد أوقات واضحة لاستخدامها، متابعة المحتوى الإيجابي والملهم، وأخذ فترات راحة رقمية منتظمة لإعادة الاتصال بالذات والواقع.

10- ما الرسالة التي توجهينها لمن يشعر بضغط نفسي لكنه متردد في طلب المساعدة؟

أقول له بكل وضوح: طلب المساعدة ليس دليل ضعف، بل تعبير عن القوة والشجاعة، فالصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، وكل إنسان يستحق أن يُسمع ويُفهم ويُلقى الدعم المناسب في الوقت المناسب.

11- أخيرًا، هل هناك ما تودين إضافته حول هذا الموضوع، أو نصيحة عامة للحفاظ على الصحة النفسية؟

لعلّ أهم ما يمكن أن أشارك به هو الدعوة إلى الترفق بالذات، فنحن نعيش في عالم لا يخلو من التحديات، والرحمة الذاتية أصبحت ضرورة لا ترفًا.

لذا، امنح نفسك وقتًا لما تحب، تواصل مع من يمنحك طاقة إيجابية، ولا تتردد أبدًا في قول “أنا بحاجة إلى مساعدة” عندما تشعر بالثقل، فكل خطوة نحو العافية النفسية تستحق العناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى