سياسة

المشهد السوري بين التعقيدات الداخلية والأجندات الإقليمية

اخبار نيوز بالعربى

كتبت : شهد تامر محمد

لا يزال الملف السوري واحدًا من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط، حيث تتشابك الأوضاع الداخلية مع الأجندات الإقليمية والدولية، ما يجعل من الصعب التفرقة بين العوامل المؤثرة في الصراع.

في ظل الإعلان عن اتفاق يجمع بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، بهدف دمج الأخيرة ضمن مؤسسات الدولة، تثار تساؤلات حول مدى إمكانية نجاح هذا الاتفاق في تحقيق الاستقرار، خاصة في ظل التدخلات الإقليمية المتعددة التي تشهدها الساحة السورية.

النفوذ الإيراني وتأثيره على الداخل السوري:

في حديثه مع غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، أشار الخبير العسكري والاستراتيجي السوري أحمد رحال إلى أن سوريا خلال حكم الأسد تحولت إلى “عاصمة لتجارة الكبتاجون” ومركز لنشاطات غير قانونية أثرت سلبًا على دول الجوار.

وأوضح أن القيادة السورية الجديدة تواجه تحديات كبيرة نتيجة هذا الإرث، مما يفرض عليها بذل جهود مضاعفة للتعامل مع الأزمات الداخلية والخارجية.

وتطرق رحال إلى الدور الذي لعبته إيران وحزب الله في تأجيج الأوضاع داخل سوريا، خاصة فيما يتعلق بالأحداث الدامية التي شهدتها مناطق الساحل السوري، حيث أكد أن أسلوب التعامل مع المواطنين افتقر إلى المسؤولية، ما أدى إلى حالة من الفوضى. وأشار إلى أن التصريحات الرسمية، سواء من قبل الرئيس الشرع أو المحافظ محمد عثمان، جاءت لتؤكد على ضرورة التحقيق في هذه الجرائم والعمل على محاسبة المسؤولين عنها.

التدخل الإسرائيلي.. استراتيجية النفوذ من الجنوب إلى الجولان

أما فيما يتعلق بالدور الإسرائيلي، فقد أشار رحال إلى استمرار الغارات التي تستهدف مواقع في الجنوب السوري، معتبرًا أن إسرائيل تسعى لفرض نفوذها عبر إقامة “منطقة عازلة” في تلك المنطقة.

كما ألقى الضوء على التحركات الإسرائيلية في السويداء وجبل العرب، حيث اعتبر أن تل أبيب تحاول استغلال الوضع لتعزيز علاقاتها مع بعض الأطراف هناك.

وأكد رحال أن “أبناء جبل العرب رفضوا أي تدخل إسرائيلي”، رغم وجود بعض الأصوات التي أبدت ترحيبًا في البداية.

وشدد على أن هذه التحركات تأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى إيجاد موطئ قدم لها في مناطق الدروز، بما يخدم مصالحها الإقليمية.

الموقف التركي.. بين الحذر والتدخل المباشر

أما على صعيد الدور التركي، فقد تحدث عضو البرلمان التركي السابق رسول طوسون عن موقف بلاده من التطورات في سوريا، مشيرًا إلى أن أنقرة كانت ولا تزال داعمة للشعب السوري والإدارة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع.

وأكد طوسون أن تركيا ساندت المعارضة السورية منذ اندلاع الثورة، واستقبلت ملايين اللاجئين، لكنها في الوقت نفسه ترفض التدخلات الأجنبية التي قد تؤدي إلى تقسيم سوريا.

كما وجه انتقادًا واضحًا لإسرائيل، متهمًا إياها بمحاولة تأجيج الفوضى في سوريا عبر دعم بعض الفصائل الكردية والدرزية.

وشدد طوسون على أن أنقرة ترى في وحدة الأراضي السورية “خطًا أحمر”، لافتًا إلى أن تركيا لن تتردد في اتخاذ إجراءات عسكرية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق واضح بشأن دمج قوات “قسد” ضمن الدولة السورية.

ومع ذلك، أكد أن تركيا تفضل التوصل إلى حل سياسي يضمن استقرار سوريا دون الحاجة إلى أي تصعيد عسكري.

إسرائيل واستراتيجية التعامل مع الأقليات في سوريا

في سياق متصل، قدم الدبلوماسي الإسرائيلي السابق مئير كوهين تحليلًا لدور إسرائيل في الملف السوري، مشيرًا إلى أن تل أبيب تتابع عن كثب وضع الطائفة العلوية في سوريا، خاصة في ظل المخاوف من تصاعد التوترات الداخلية.

وأشار كوهين إلى أن إسرائيل تعتبر أن الأقليات في سوريا، بما فيها العلويون والدروز، قد تواجه مخاطر متزايدة في حال حدوث أي تصعيد عسكري داخلي.

كما أكد أن تل أبيب وضعت خططًا لدعم الطائفة الدرزية في حال تعرضها لأي تهديد، مضيفًا أن إسرائيل لن تتردد في التدخل إذا شعرت بوجود تهديد مباشر في المناطق الحدودية، خصوصًا في الجولان.

يبقى المشهد السوري معقدًا في ظل تداخل المصالح الإقليمية والدولية، حيث تتصارع القوى المختلفة على النفوذ، بينما تحاول القيادة الجديدة رسم مسار سياسي جديد يحقق الاستقرار.

ومع استمرار التدخلات الخارجية، يبقى مستقبل سوريا مرهونًا بالتطورات السياسية والعسكرية، ومدى قدرة الأطراف الفاعلة على التوصل إلى حلول مستدامة تضمن وحدة البلاد واستقرارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى