
كتبت: إسراء عبدالله
كان هذا من أكبر أعمال التخلي في تاريخ العرب. كيف هدد الإيرانيون قبل عام. ووعدوا إذا دخل الصهاينة إلى لبنان، سيتجمع كل معسكر المقاومة. جيش إيراني، شيعة من سوريا، آلاف من الحوثيين من اليمن. سيترقب الجميع جيش الاحتلال الإسرائيلي قرب نهر الليطاني. بدأ الجيش الإسرائيلي في مطاردة كبار قادة حزب الله واحدًا تلو الآخر، وحتى بعد هجوم أجهزة الاستدعاء وقتل حسن نصرالله، لم يتحرك أي جندي إيراني. ثم جاء دور بشار الأسد، وإن كان على يد آخرين. كان بإمكانه إرسال قوات لإنقاذ حليفه في دمشق. ولكن العجيب أن أي وحدة إيرانية لم تأتِ. سلاح الجو الروسي قصف هنا وهناك، وبعض وحدات حزب الله تحركت للقتال على مدينة حمص. لكن حُسم مصير الأسد.
في طهران قاموا بحساب سريع. إذا أرسلوا قوات كبيرة للقتال في سوريا، ربما ينقذون الأسد، لكنهم قد يتعرضون لضربة قاسية. كان الجيش الإسرائيلي في انتظارهم. إلى جانبه أيضًا سلاح الجو الأمريكي، ومعهم العديد من جماعات المتمردين، كل واحدة بإتجاه مختلف: الأكراد، الدروز، ومقاتلو الجهاد من نوع الجولاني. فلماذا الوقوع في هذا الفخ، ولأي غرض؟ لإنقاذ الآخرين.
إتخذت القيادة الإيرانية قرارًا هادئًا بترك نظام البعث لمصيره. وبذلك ختمت إحدى السنوات السوداء في تاريخ الثورة الإسلامية. أولاً فقدت غزة، ثم تركت حزب الله ليواجه بمفرده آلة الحرب الإسرائيلية. ثم تخلت عن الأسد. في هذه الأثناء، تعرضت هي نفسها لعدة ضربات جوية من قبل إسرائيل.
لماذا كانوا يعتنون بوكلائهم طوال هذه السنوات؟ لكي يقاتلوا من أجلهم، وفي يوم الحساب يصبحون دروعًا بشرية. هذه ليست معاهدة دم، بل استخدام ساخر للآخرين كما لو كانوا أدوات. منذ اللحظة التي تبدأ فيها تلك الأداة في إلحاق الضرر بأصحابها، يجب التخلص منها.
حزب الله، الأسد، حماس، الجهاد الإسلامي. جميعهم دروع بعيدة بناها الإيرانيون في أطراف مناطق النفوذ. بسبب الظروف، وأيضًا الخطر، حان الوقت التخلص منهم بعدما أصبحوا عديمي الفائدة. حتى الحوثيون وكذلك الميليشيات الشيعية في العراق. إذا دعت الظروف، سيتخلون عنهم أيضًا حتى لا يتعرضوا للأذى بأنفسهم.
الاحتمال كبير، لأن دور إيران ووكلائها في سوريا قد انتهى. بحذر يمكن القول إن معسكر المقاومة، كما كان معروفًا، قد تحطم إلى الأبد. قد يتنفس اللبنانيون الصعداء. وكذلك الأردنيون الذين عانوا من تهريب الأسلحة والمخدرات. وبالطبع نحن. حتى القتال في جنين، طولكرم، ومدن أخرى في الضفة الغربية، كانت تدعمه هذه الجماعة. حماس والجهاد بتغطية إيرانية.
هناك مشكلة واحدة فقط. مؤخرًا، قدمت طهران برنامجها النووي. هكذا تردع جميع من يتمنى لها الشر وكل من يخطط لاستغلال الفرصة لإيذائها أكثر.
أبو محمد الجولاني حقق حلم العديد من السوريين – أكرادًا ودروزًا وسنة. في الواقع، كان هناك حلمان وليس حلمًا واحدًا. هزيمة الإيرانيين من جهة، والانتقام من النظام من جهة أخرى.
في السنوات الأخيرة، اعتمد الجولاني سلوكًا معتدلًا. في مقابلة مع CNN، التي بثت قبل عشرة أيام، أبهر الكثير بلغته الطليقة.
هل أمامنا وحشًا متنكرًا في صورة حمامة؟ من غير المرجح. من الصعب أن نراه ينجح إذا أراد إقامة خلافة إسلامية على غرار داعش. سيجلب لنفسه تحالفًا من أعداء خطرين، على رأسهم إسرائيل. أما بالسياسة المعتدلة سيحقق أكثر، والجولاني يبدو أنه يفهم ذلك. من المحتمل أنه سيحاول بصدق بناء حكومة مستقرة، تعتمد على التعاون مع جميع الطوائف.
في الطريق تنتظره عوائق كثيرة. عمق الغضب لدى الشعب والرغبة في تصفية الحسابات مع رجال النظام القديم تهدد استقراره الداخلي. فلا نتفاجأ إذا انفجر حمام دم. تدريجيًا تبدأ القصص الرهيبة في الخروج. ناهيك عن الدول التي تتدخل. ولكل منها مصلحة خاصة.
تركيا ستفعل كل شيء لمنع دولة كردية. إسرائيل ستعمل بقوة إذا شعرت أن هناك خطرًا على مواطنيها من الأراضي السورية. روسيا ستعمل على الحفاظ على وجودها قدر الإمكان. والدافع بشكل رئيسي اقتصادي: لمنع قطر من تصدير الغاز إلى أوروبا عبر البر لتكون منافسة لها. وهناك شعور جهادي قد يطفو فوق السطح. قوات حاربت إلى جانب الجولاني ومجهزة بأفكار متطرفه. على سبيل المثال، غزو فلسطين. لقد قدموا دماءهم، الآن عليه تهدئتهم.
خطر النموذج العراقي
إسرائيل هي من أسقطت الأسد. وإن كان بشكل غير مباشر، لكن الفضل للجيش الإسرائيلي، والموساد، وأجهزة الأمن. هؤلاء جميعًا، في العام الماضي، ضربوا المعسكر الإيراني بلا رحمة وكسروا عموده الفقري. المتمردون أدركوا أنه حانت الفرصة. خرجوا للقتال، ووجدوا الأسد وأصدقاءه عاجزين.