
إن المجتمع السورى يشمل تنوع طائفى وعرقى، وفى هذا الموضوع أتذكر خلال الوحدة بين مصر وسوريا فى 22 فبراير / شباط 1958 عقب توقيع شكرى القواتلى الرئيس السورى وقتئذ مع الرئيس جمال عبد الناصر مشروع الوحدة قال القواتلى ” أعطيتك دوله نصفها آله والنصف الثانى أنبياء” ورد ناصر ” ليتك قلت ذلك قبل توقيعى” من هنا ندرس التنوع الطائفى العرقى داخل المجتمع السورى، الشعب السوري يُعَد شعباً متنوعاً عرقياً وقومياً، يُصنَّف أساساً أنه من الشعوب السامية.
كيف يشكل التنوع الطائفى والعرقى الهوية السورية؟ كانت سوريا على مر العصور ملتقى حضارات وثقافات متباينة، ما جعلها واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعاً طائفياً وعرقياً وثقافياً.
تعاقبت على البلاد التى تعد من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في العالم حضارات عدة، بدءاً من ممالك إبلا ومارى وأوغاريت السامية القديمة، مروراً بالحيثيين والآراميين، ثم الآشوريين والبابليين والفرس لاحقاً، خضعت لحكم الإسكندر المقدونى والهيلينيين، تلاهم الرومان والبيزنطيون، وصولاً الى الحكم الإسلامى الذى جعل دمشق عاصمة للأمويين، وفى العصر الحديث حكمها العثمانيون أربعة قرون ثم خضعت للانتداب الفرنسى حتى إستقلالها عام 1946؛ مما شكل فسيفساء مميزة فيها.
نسلط الضوء على الطوائف الدينية والأعراق التى تشكل نسيج الهوية السورية، ونعرض مواقفها من الثورة السورية التى إندلعت عام 2011 وتحولت لحرب أهلية فيما بعد، وإنتهت بسقوط حكم الأسد فى ديسمبر/كانون الأول الجارى.
على إمتداد مساحتها التى تبلغ 185.180 الف كم مربع، تحتضن سوريا طوائف دينية متعددة.
يشكّل المسلمون السنّة غالبية السكان فى البلاد، وعلى الرغم من أن إحصاءات السكان الرسمية لا تشمل الدين أو العرق، الا أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية لعام 2022 يُشير الى أن 74% من السكان هم من الطائفة السنية التى تتنوع فى أعراقها بين العرب الأكثرية، والأكراد والشركس والشيشان، وبعض التركمان.
ويتوزع السنّة فى معظم المدن والقرى السورية، مع كثافة ملحوظة فى دمشق وحلب وحمص.
وفي عام 2020، أشار تقرير صادر عن موقع “أوريان 21” الفرنسى للدراسات الإستراتيجية الى أن الحرب غيّرت من طبيعة التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، فلم يعد العرب السنّة يمثلون سوى نصف السكان بعد أن كانوا الأغلبية.
ويُرجع الكاتب بيير إيف بايي في تقريره هذا التغيير إلى لجوء عدد كبير من العرب السنة لدول أخرى، إضافة الى النهج الطائفي الذى إعتمده الرئيس بشار الأسد فى تعامله مع المعارضين لحكمه.
ومنذ إندلاع الحرب التى امتدت لـ13عاماً، بات من الصعب تحديد عدد السكان بدقة، لكن تقديرات البنك الدولى لعام 2023 تشير الى أن عدد السوريين يبلغ نحو 23 مليون نسمة.
وذكر مركز جسور للدراسات أن عددهم عام 2023 بلغ تقريباً 26 مليون نسمة، منهم تقريباً 16مليوناً يقطنون داخل سوريا، و9 ملايين تقريباً خارجها، إضافة الى 897 الف شخص بين قتيل ومفقود.
والى جانب السنّة، هناك جماعات إسلامية أخرى، بما فى ذلك العلويون والإسماعيليون وطوائف شيعة أخرى، وكلهم مجتمعين يشكلون 13% من السكان، بحسب تقديرات الخارجية الأمريكية.
والعلوية طائفة من طوائف الشيعة فى الإسلام، وتعنى كلمة علوى “تابع على” وهو ابن عم النبى محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وصهره. ويشكّل العلويون فى سوريا أكبر أقلية دينية بنسبة تبلغ 10% من مجموع السكان، بحسب رويترز.
إستقر العلويون فى سوريا منذ القرن الثانى عشر الميلادى، ويتمركزون بشكل رئيس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فى مدينتى اللآذقية وطرطوس.
تاريخياً، عُرف العلويون كطائفة مهمشة، ولكن صعود عائلة الأسد العلوية الى سدة الحكم غير الموازين تماماً؛ فبعد إنقلاب عام 1970 بقيادة حافظ الأسد، والد الرئيس بشار الأسد، عزز العلويون سلطتهم على المؤسسات الرئيسية والأجهزة الأمنية فى البلاد وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من هيكل الدولة.
وتعتبر سوريا المركز الرئيسى لتجمع أبناء الطائفة الإسماعيلية النزارية فى الشرق الأوسط، الذين يعتبرون أنفسهم الجماعة الشيعية الرئيسية الثانية بعد الاثنى عشرية.
ويبلغ عدد الإسماعيليين نحو 250 الفاً، ويمثلون 1% من إجمال عدد السكان فى سوريا، ويعيشون فى مدينة السلمية التى تقع على بعد 30 كم شرق مدينة حماة، كما توزعوا فى عدد من المدن والقرى المحيطة بحماة مثل مصياف والقدموس ونهر الخوابى.
أما الدروز الذين يُشيرون الى أنفسهم باسم “الموحدون” أى المؤمنون بتوحيد الإله، فيمثلون نسبة 2% من الشعب السورى أى ما يقارب 700 الف نسمة، ويُعتقد أن الطائفة الدرزية قد إنشقت عن الإسماعيلية خلال المرحلة الفاطمية فى القرن العاشر، ولكن بعض الباحثين يعتبرونها عقيدة مستقلة بحد ذاتها.
ويرجع تاريخ الدروز فى سوريا الى حوالى ألف عام، وكان لهم دور كبير فى محاربة الإحتلال الفرنسى لسوريا، حيث رفضوا تشكيل الدولة الدرزية وأشعلوا نيران ثورة سوريا الكبرى عام 1925.
وتعيش الغالبية الدرزية فى مدن السويداء وصلخد وشهبا والقريا فى جبل العرب وجرمانا قرب دمشق ومجدل شمس فى الجولان السورى المحتل.
وكانت سوريا مركزاً حضارياً مهماً للديانة المسيحية، إذ يوجد العشرات من الكنائس والأديرة الشاهدة على ذلك، وقبل عام 2011 كان يعيش 2.2 مليون مسيحي بنسبة 10% من الشعب السورى، ومع إندلاع الحرب فرّ كثيرون خارج البلاد، وتقّدر منظمة “الأبواب المفتوحة” الأمريكية غير الحكومية نسبة من بقوا 3% فقط أى ما يقارب 638 الفاً.
وما يزال معظم المسيحيين يقطنون مدن دمشق وحلب وحمص وحماة واللآذقية والمناطق المحيطة بها، الى جانب محافظة الحسكة فى المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد، ويتوزعون بين طوائف عدة، منها الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية.
وإلى جانب ما سبق، يوجد الإيزيديون الذين ينتشرون فى مدينة الحسكة وقراها وحلب وريفها وكذلك عفرين، يتحدث الإيزيديون اللغة الكردية بشكل رئيسى، ورغم أنه لا توجد أرقام رسمية حديثة لعدد الإيزيديين فى سوريا، يُقدر إتحاد الإيزيديين فى عفرين أنه لا زال هناك حوالى 2000 إيزيدي فى عفرين، مقارنة بنحو 50 الى 60 ألف قبل عام 2011، اليزيديون أو الإيزيديون (بالكردية: ئێزیدی، Êzîdî) هم مجموعة دينية كُرديّة تتركز فى منطقة كُردِستَان، ناطقة باللهجة الكرمانجية من اللغة الكرديّة، الديانة الإيزيدية (بالكردية: Şerfedîn) وهي ديانة عرقية توحيدية من الديانات الإيرانية الغربية.
وهناك فى ريف اللآذقية وبعض قرى ريف حمص وحماة الغربى توجد الطائفة المرشدية التى تأسست على يد سلمان المرشد عام 1923. تقول الروايات المتداولة إن المرشدية إنبثقت عن الطائفة العلوية، لكنها إتخذت مساراً دينياً مستقلاً، وتعد المرشدية من الطوائف المنغلقة نسبياً، فلا تفضل الإعلان عن أفكارها الدينية، ويحتفل أتباعها بعيد واحد يُسمى “عيد الفرح بالله”، يُقام سنوياً فى أغسطس/آب، ويُعتبر مناسبة للتعبير عن الوحدة الروحية.
تم إعدام مؤسس الطائفة سلمان المرشد عام 1946، بتهمة إدعاء الألوهية وإرتكاب جرائم، وكان هذا فى عهد الرئيس السورى شكرى القوتلى.
لا يقتصر التنوع السورى على البعد الطائفى فقط، بل يمتد ليشمل مجموعات عرقية متعددة مثل الأكراد والأرمن والتركمان والشركس وغيرهم.
والعرب هم الأغلبية الساحقة فى سوريا، يليهم الأكراد، ولا توجد إحصائيات رسمية عن عدد الأكراد فى سوريا، الا أن معظم التقديرات تشير الى أن أعدادهم تتراوح بين 2 و3 ملايين فرد، يتوزعون فى مناطق الحسكة ومدينة القامشلى وعين العرب وعفرين وأحياء فى دمشق وحلب، بحسب مركز جسور للدراسات.
وتعرض الأكراد السوريين للكثير من القمع والحرمان من الحقوق الأساسية، فلم تعترف الحكومات المتتالية بالهوية الكردية، ومنعتهم الدولة من إستخدام اللغة الكردية فى مدارسهم أو فى الصحف والكتب.
ولم يمنح حوالى 300 الف من الأكراد الجنسية السورية منذ ستينيات القرن الماضى، وصودرت الأراضى الكردية وأعيد توزيعها على العرب فى محاولة “لتعريب” المناطق الكردية، وغالبية الأكراد من المسلمين السنّة، وفيهم أعداد قليلة من المسيحيين واليزيديين.
2019
والأرمن الذين ينحدرون من أرمينيا التاريخية هم أيضاً جزء من النسيج الوطنى السورى، ففى عام 1915 هاجروا بأعداد كبيرة هرباً من المذابح التى إرتكبها الجيش العثمانى بحقهم.
ومعظم الأرمن يعتنقون الديانة المسيحية ولهم لغتهم الخاصة، وكان تعدادهم فى سوريا قبل عام 2011 يقدر بحوالى 100 ألف، حيث سكن أكثر من 60 الف منهم فى حلب، فيما توزع الآخرون على مدن الكسب والقامشلى واليعقوبية وعين العرب ودير الزور والعاصمة دمشق.
ومنذ عام 1928 يحظى الأرمن بتمثيل فى الهيئة التشريعية السورية، وسوريا هى البلد العربى الثانى بعد لبنان الذى إعترف بـ “الإبادة الأرمنية”
وأثرت الحرب على الوجود الأرمنى فى البلاد، حيث وصل عدد اللآجئين الأرمن السوريين فى أرمينيا الى أكثر من 15 ألفاً عام 2015.
إنخرط تركمان سوريا فى صفوف المعارضة ضد النظام، وشكلوا أولوية مسلحة قاتلت الجيش السورى وتنظيم الدولة الإسلامية، وصل التركمان الى أراضى سوريا والعراق وإيران فى القرن الحادى عشر، وبالنسبة لسوريا يتمركز التركمان – الذين ينتمون الى العرق التركى – بشكل رئيسى فى الشمال، فى منطقة جبل التركمان فى اللآذقية بالقرب من الحدود التركية، وكذلك فى حلب وإدلب وحمص وطرطوس ومنطقة دمشق.
وليست هناك إحصائيات دقيقة عن عدد التركمان، لكن يقدر عددهم بين 1.5 إلى 3.5 مليون. وفى ظل حكم الأسد، مُنع التركمان من الكتابة أو الحديث بلغتهم التركمانية ولم تعترف الحكومة بهويتهم العرقية.
أما الشركس الذين تعود أصولهم الى القوقاز، وصلوا سوريا عام 1878، وهناك سكنوا بثلاث مناطق رئيسية هى محافظة القنيطرة، وكانت تضم الكتلة الكبرى منهم قبل إحتلال الصهيونية للجولان، ومنطقة حلب، وفى مدينة دمشق، وبعض القرى فى ضواحيها. والشركس مسلمون سنّة.
من خلال تلك التركيبة العرقية المعقدة بدأت الثورة السورية على شكل مظاهرات سلمية ضد الرئيس بشار الأسد، أشعل إرتفاع نسبة البطالة والفساد وغياب الحريات السياسية وقود الثورة، التى سرعان ما تحولت الى حرب أهلية واسعة النطاق.
وانطلقت أولى المظاهرات فى المدن ذات الأغلبية السنية، مثل درعا وحمص وحماة، إذ شعر العديد من سكانها بالتهميش السياسى والإجتماعى فى ظل حكم النظام الذى يعتمد بشكل أساسى على دعم الأقليات، ونتيجة لذلك شكلت المناطق السنية القاعدة الشعبية الأساسية للحراك المعارض، وسرعان ما تحولت هذه المناطق الى مراكز للصراع مع تصاعد العنف.
وبحكم إنتماء بشار الأسد الى الطائفة العلوية، وقف العديد من العلويين الى جانب النظام خوفاً من الإنتقام الطائفى فى حال سقوطه، وعلى الرغم من ذلك، ظهرت أصوات معارضة داخل الطائفة، لكنها ظلت محدودة مقارنة بالدعم العام له.
واتخذ الأكراد موقفاً حيادياً ولم يواجهوا النظام أو يثوروا عليه، وفى منتصف عام 2012، إنسحبت القوات السورية من المناطق الكردية لتركز على قتال المسلحين فى مناطق أخرى، ففرضت القوات الكردية سيطرتها على المنطقة، وفى عام 2014 أعلن الأكراد إقامة الحكومة الكردية الإقليمية، وأكدوا على أنهم لا يسعون الى الإستقلال، بل الى “إدارة محلية ديمقراطية”
أما موقف المسيحيين فاتسم بالحذر، حيث خشى كثير منهم من صعود التيارات الإسلامية المتطرفة التى قد تهدد وجودهم. وبينما إختار بعضهم دعم المعارضة، فضّل العديد منهم الحياد أو دعم النظام.
ونشرت صحيفة التلغراف البريطانية تقريراً عام 2012، قالت فيه إن “المجتمع المسيحى فى سوريا حاول أن يكون حيادياً، لكنه قرر فى حلب تجنيد شبان الكشافة لحماية الكنائس، وقَبِل السلاح من الجيش السورى، بعد أن إنتقلت الحرب الى المدينة وضواحيها”
وحاولت الطائفة الدرزية الحفاظ على حيادها النسبى، ورغم بعض التحركات المعارضة للنظام داخل مدينة السويداء، الا أن الأغلبية فضلت تجنب المواجهة مع النظام، مع النأى بالنفس عن وقوع أى إشتباكات مسلحة فى مناطقهم.
أما التركمان فانخرطوا فى صفوف المعارضة، وشكلوا أولوية مسلحة قاتلت بشكل رئيسى الجيش السورى وتنظيم الدولة الإسلامية.
وأدت الحرب على مدار 13 عاماً إاى مقتل ما لا يقل عن 600 الف شخص بحسب المرصد السورى لحقوق الإنسان، وفرار الملايين خارج وطنهم فى أكبر أزمة لجوء فى الزمن الحديث، كما تص
فها مفوضية اللآجئين لدى الأمم المتحدة.