
بعد مهاجمة مقاتلى فصائل مسلحة ضد الجيش الحكومى السورى والسيطرة على عدد من المناطق، يدور التساؤل بشأن دور تركيا فى هذه التطورات الميدانية المفاجئة، يرى خبراء أن هناك أكثر من سبب لدعم أنقرة لفصائل سورية معارضة لنظام الأسد.
عودة إشتعال الصراع فى سوريا، لم يكن مفاجئاً للرأى العام التركى، إذ منذ أكثر من شهرين، كان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وشريكه فى التحالف القومى اليمينى دولت بهجلى يتحدثان بشكل شبه حصرى عن تحولات السلطة فى الشرق الأوسط والعواقب السلبية المحتملة على أنقرة، تحولات وعواقب تتمثل على وجه الخصوص فى حدوث تغيير محتمل لصالح الأكراد فى سوريا.
حيث أسس الأكراد إدارة ذاتية فى شمال شرق سوريا (روج آفا) ما شكل منذ فترة طويلة شوكة فى خاصرة أنقرة، كما تشعر الحكومة التركية بالقلق إزاء التطورات الأخيرة فى الشرق الأوسط، وذلك بعد أن أصبح حلفاء الرئيس السورى بشار الأسد، حزب الله وإيران، ضعيفين حالياً بسبب الهجمات التى تشنها الصهيونية، أما القوة الحامية الأخرى للنظام السورى، روسيا، فقد ركزت بشكل متزايد على الحرب فى أوكرانيا، وتمتلك موسكو قواعد عسكرية فى سوريا، لكن بحسب الخبير الأمنى فى إسطنبول، بوراك يلدريم، فإن موسكو كان لا يزال لديها 50 طائرة عسكرية فى سوريا قبل بدء الحرب على أوكرانيا، ولكن لم يتبق منها الآن سوى 13 طائرة عسكرية، سبع منها فقط جاهزة للإستخدام.
غوتيريش يتحدث عن فشل جماعى وأردوغان يدعو الأسد لحل سياسى، أكد الرئيس التركى أن مرحلة جديدة “تتم إدارتها بهدوء” بسوريا داعياً الرئيس السورى لإيجاد “حل سياسى” فيما تحدث الأمين العام للأمم المتحدة عن “نتائج مريرة لفشل جماعى مزمن” ووزير الدفاع السورى وصف ما حدث بـ”إعادة تموضع”
دعا الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الخميس (الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2024)، نظيره السوري بشار الأسد الى إيجاد “حل سياسى” للوضع فى سوريا “بشكل عاجل” وقال أردوغان خلال إتصال هاتفى مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “يجب على النظام السورى أن ينخرط بشكل عاجل مع شعبه من أجل التوصل الى حل سياسى شامل” بحسب بيان صادر عن الرئاسة التركية.
وأضافت الرئاسة التركية أن “الرئيس اردوغان أكد أن تركيا تعمل على تقليص التوتر وحماية المدنيين وفتح الباب أمام مسار سياسى، وستستمر فى ذلك” مشددة على أن “النزاع السوري بلغ مرحلة جديدة” وجاء فى البيان أيضاً “تتمثل أمنية تركيا الكبرى فى ألا تغرق سوريا فى مزيد من عدم الإستقرار وألا تشهد سقوط مزيد من الضحايا المدنيين”
وتستضيف تركيا التى تتشارك حدوداً طويلة مع سوريا نحو ثلاثة ملايين لاجئ سورى على أراضيها.
من جانبه دان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “إراقة الدماء” المستمرة فى سوريا، معتبراً أنها نتيجة “فشل جماعى مزمن” فى بدء عملية سياسية فى البلاد المنقسمة منذ عام 2011.
وتحدث غوتيريش للصحفيين عن “التطورات الخطيرة والمأسوية التى تجرى أمام أعيننا فى سوريا”، قائلاً “إننا نرى النتائج المريرة لفشل جماعى مزمن لترتيبات إحتواء التصعيد السابقة التى كانت تهدف الى التوصل الى وقف حقيقى لإطلاق النار على مستوى كامل البلاد وعملية سياسية جادة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن” وأضاف “بعد 14 عاماً من النزاع، حان الوقت لأن تعمل جميع الأطراف بجدية مع مبعوثى الخاص لسوريا غير بيدرسن من أجل إتباع نهج جديد جامع وشامل لحل هذه الأزمة وفقاً للقرار 2254″، داعياً إلى “حوار جدى.
وإعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2015 القرار 2254 الذى ينص خصوصاً على خريطة طريق لتحقيق إنتقال سياسى فى سوريا، وبعد هدوء نسبى منذ عام 2020 فى شمال غرب البلاد، شنّ تحالف من فصائل المعارضة المسلحة تقوده هيئة تحرير الشام هجوماً خاطفاً فى 27 تشرين الثانى/نوفمبر.
وإثر سيطرتها على حلب، ثانى أكبر مدينة فى سوريا، سيطرت الفصائل المعارضة على مدينة حماة.
وحذّر غوتيريش من أن “عشرات آلاف المدنيين مهددون فى منطقة مشتعلة أصلا”، داعيا جميع الأطراف الى إحترام التزاماتها بحماية المدنيين. وشدد على أن “إراقة الدماء يجب أن تتوقف” مضيفاً “سوريا تقف على مفترق طرق حضارات، ومن المؤلم أن نرى تفككها التدريجى”
ودعا غوتيريش جميع أصحاب النفوذ الى أداء دورهم لوضع حد لمعاناة الشعب السورى الطويلة. وأشار خصوصاً الى أنه تحدث هاتفيا مع الرئيس التركى رجب طيب اردوغان. وتابع “شددت على الحاجة الملحة لوصول المساعدات الإنسانية بشكل فورى الى جميع المدنيين المحتاجين والعودة الى العملية السياسية التى تيسرها الأمم المتحدة لإنهاء إراقة الدماء”
إن تركيا هى الداعم الرئيسى لعدد من فصائل المعارضة، فى حين أن روسيا وإيران هما الحليفان الرئيسيان لدمشق.
فى المقابل، أعلن وزير الدفاع السورى العماد على محمود عباس أنّ قوات الجيش “ما زالت فى محيط مدينة حماة” مؤكدا أنّ ما حصل هو “إعادة تموضع وإنتشار” وقال عباس فى بيان متلفز إنّ”ما حدث فى مدينة حماة هو إجراء تكتيكى مؤقت، ما زالت قواتنا فى محيط مدينة حماة” حيث شن الجيش السورى غارات جوية إستهدفت جسراً إستراتيجياً يربط مدينة حماة الى ىىسيطرت عليها فصائل المعارضة بمدينة حمص التى يسعى النظام الى منع خروجها عن سيطرته.
وافاد المرصد السورى لحقوق الإنسان بنزوح عشرات الآلاف من سكان الأحياء العلوية فى مدينة حمص بوسط سوريا، بعيد إعلان الجيش السورى إنسحابه من حماة مع سيطرة الفصائل المعارضة عليها.
وتضم مدينة حمص التى لقبها ناشطون معارضون “عاصمة الثورة”، بعدما شهدت كبرى التظاهرات الشعبية المناوئة للنظام عام 2011، أحياء ذات غالبية علوية، الأقلية التى يتحدر منها الرئيس بشار الأسد ويعد الساحل السورى معقلها، وتعرض بعض تلك الأحياء لتفجيرات دامية.
وتحدث المرصد السورى لحقوق الإنسان عن “إنسحاب أكثر من 200 آلية عسكرية” للجيش باتجاه مدينة حمص، إضافة الى إنسحاب الجيش من مدينتى السلمية فى ريف حماة وتلبيسة فى ريف حمص.
أكد مسئول كبير بوزارة الخارجية العراقية، أن العاصمة العراقية بغداد تستضيف، إجتماعاً ثلاثياً يضم سوريا وإيران والعراق لمناقشة الأزمة فى سوريا مع إستمرار تقدم المعارضة المسلحة فى الأراضى السورية، ويأتى الإجتماع فى الوقت الذى إستولت فيه عناصر المعارضة المسلحة على حلب وحماة المدينتين الرئيسيتين فى شمال غرب سوريا خلال هجومهم الذى إستمر 8 أيام والذى فاجأ الكثيرين، وتقود جماعة هيئة تحرير الشام الهجوم الذى بدأ فى 27 نوفمبر/ تشرين الثانى 2024، ووجه الهجوم المفاجئ ضربة قوية للأسد وداعميه فى العراق وإيران وروسيا وأعاد إشعال حرب أهلية كانت خاملة الى حد
كبير لسنوات.