سياسة

ملامح انهزام إسرائيل بعد استشهاده .

اخبار نيوز بالعربى-سياسة

كتب /مصطفى نصار

حماس كجسد واحد : العقيدة لا تموت مهما قتل القادة .

في مشهد مهيب أمس ، أعلن جيش الاحتـ.ـلال الإسرائيلي اغتيال قائد حركة حماس يحيى السنوار،
بعد أطنان من السرديات الكاذبة و تشنيع هدفه الوحيد نزع إنساتيه و أدميته ،و تصويره بصفته شرير ضحى بالجميع في معركة خاسرة كلفت الجميع توابع فادحة ،

لكن ما حدث فضح السردية الإسرائيلية و عرى أكاذيب و تدليسات الاحتلال الإسرائيلي حيث أنه قتل السنوار في اشتباكات .

اشتبك يحيى السنوار معهم مقبلًا غير مدبر محققين أمنيته التي طالما صرح بها طيلة حياته عقب تحريره من الأسر عام ٢٠١١.

و حقق الاحتلال الإسرائيلي هدفه بالقضاء على المطلوب الأول لديه ،لكنه لن يعرف أبدًا أنه مهما قتلوا من كوادر و رؤوس حماس ،

و يؤكد البروفسور توماس بويل في كتابه الواقعي و الجدي أن حماس “لا تفنى لإنها خارج الحسابات السياسية بالمعنى الأيدولوجي”،

و تجربة حماس كفيلة بإثبات تلك المعادلة التي لا يفهم العقل الغربي و لا الإسرائيلي عبر احتلال فلسطين الممتد من ٧٥ سنة ،

منذ أيام المشاركة العربية للسوريين و المصريين و التي بفضلها احتفظ القطاع بشكله المستمر حتى اللحظة .

و لذا ، فإن العقيدة إن مات معتنقونها فلن تموت و تندفن معها العقيدة ذاتها
فقد استمر الأحتلال الإسرائيلي في مسلسل الاغتيالات السياسية منذ سنة ١٩٩٨ باغتيال يحيى عياش ،

و قبلها بعامين اغتيال عماد عقل مهندس المتفجرات و الظلال في حماس .

و كذلك اغتال الشيخ صلاح شحادة المؤسس لكتائب القسام و الجهاد الإسلامي ، و أحمد الغول و والده عماد الغول في يوليو ٢٠٠٨ ،

و الشيخ المؤسس أحمد ياسين عقب قصفه أثناء رجوعه من صلاة الفجر في مارس ٢٠٠٤ ، و عبد العزيز الرنتسني في عام ٢٠٠٧ ،

و رفيق الشيخ أحمد الأول الدكتور نزار ريان في مايو ٢٠٠٩ ، و أحمد المقادمة في ٢٠٠٧ .

و لم يقف هذا المسلسل تلك المقاومة ، و إنما أشعل وقودها الإصراري و العزائمي ممكنا إياها من التخطيط و التفكير الإستراتيجي لعملية طوفان الأقصى الهادر .

و بالفرض جدلًا في تلك الحالة الفريدة فقدان الرأس التي يعمل بها الجسد ،

فيترك لسؤال أكثر صعوبة و أشق إجابة متمثلًا كوضوح الشمس يتعلق بالفكرة المؤسسة نفسها للروح التي لن تنتزع حتى بقطع آلاف الرؤوس .

فاستمداد قوة المقاومة و منعتها لا ينبع من الرأس ، و إنما من الأيدولوجيا و العقيدة التحريرية الإسلامية ،

و التي وصفها أبو الأعلى المودودي في كتابه “الإسلام :تعاليم و تطبيقات ” بالهدي الذي لا يقضى عليه لاعتماده على المنظومة الفكرية المستندة عليه .

و بالنظر لتجربة المقاومة الفلسطينية بصورة عام و اقتتطافي سريع ، فإن الفكرة التي تلقفها الجميع منذ منظمة التحرير الفلسطينية حتى إعلان قيام حركة حماس أشبه بحركة الحضارات التي ما دام سقطت واحدة قامت أخرى ،

و لكن الاختلاف الجوهري بين النموذجين مدى تماسك و صلابة و تقصد ثنائية المقاومة و التحرير ،

و التي للمفارقة اتفق فيها الدكتور عبد الوهاب المسيري و فرانز فانون في أن الحل الوحيد يكمن في”المقاومة ولا شيء إلا المقاومة” أو استمرار الممانعة المنهكة للأحتلال “الفرنسي”في حالة فانون الداعم للجزائر أو الخبير في الشئون الإسرائيلية

سواء عبد الوهاب المسيري أو إبراهيم البحراوي أو رشاد الشامي، الذين اتفقوا جميعًا على أن المقاومة روح بلا جسد تنتقل لتتبلس بمن هو جدير بحملها و الإكمال معها .

فلو أن حماس جسد قضيتها رأسها ، فكيف أكملت بدونها بعد عقدين من اغتيال مؤسسها الشيخ أحمد ياسين .

من حطين إلي حماس : المأزق المغلق للاحتلال الإسرائيلي بالحرب اللانهائية .

حينما سقطت القدس لأول مرة في أيدي الصلبيين عام ١٠٩١ ، وضعوا استراتيجية واضحة بأن الحل الوحيد مع المسلمين خارجيًا هي حروب دورية عليهم ، حتى تنكسر شوكتهم بشكل بطيء ،

لكن ما وجدوا أن الدول مستعدة للصلح معهم و إقامة المعاهدات في مقابل حفظ المناخ العام المستقر بالنسبة لهم ،

و من أولئيك الأمراء الصالح إسماعيل و الصالح داوود أمراء الكرك و دمشق ،

معلنين استمرار الوضع على ماهيته ، حتى جاء لهم عماد الدين زنكي مؤسس الدولة
الزنكية مغيرًا قواعد اللعبة مع الصليبين ممهدًا لتحرير المسجد الأقصى على يد صلاح الدين الأيوبي من بعده .

فوضع استراتيجية مفادها استمرار الحرب معهم لعدة أسباب ،منها إنهاكهم المتواصل و دراستهم المستمرة و إعطاء الفرصة لهم بخوض حرب لا نهائية معهم تستنزف قدرتهم العسكرية و البشرية،

مشكلًا بذلك مأزق حقيقي للصليبين ،الذين قضوا على الدولة الزنكية بعد استشهاد عماد الدين زنكي .

منذ ذاك الحين ، مأزق الحرب المستمرة مصيدة إنهاكية لمالك القدر الأكبر من الأسلحة و العتاد العسكري ، و خاصة اتخاذه لاستراتيجية اغتيال القادة في كلا الحالتين .

و في مقاله المنشور في دورية لندن ريفيوز ، يلفت الكاتب آدم شاتز النظر لتلك النقطة متخذًا اغتيال نصر الله بداية لعدم وجود حلول لدى إسرائيل غير الحرب اللانهائية،

و هذا ما يعده مأزق لها لما فيه من انحدار و استنزاف طويل الأمد يترتب عليه توقف الحياة بالكلية دون رجعة .

فضلًا عما سبق ، قدرة حماس التكتيتكية و التقنية المطورة التى ستسمح لها بإكمال الحرب اللانهائية مع إسرائيل دون إيجاد حل واضح الملامح في الأفق القريب .

و بالعودة لعصر نهاية الدولة الفاطمية ، من الجدير بالذكر أن الصليبين أنفسهم انهاروا جزئيًا لعدم امتلاكهم الفرصة أو الوقت اللأزم لاستجماع قواتهم

رغم طول الوقت المستغرق لخوض الحروب مع آخر مسمار مقاوم أذاقهم الويلات و البأس الشديد،

حتى جاءت حطين بنصرها المفاجئ و تخطيطها الإستراتيجي الذي يدرس في الغرب لليوم . و في هذا الصدد ،

يعتبر عالم الاجتماع الحربي و أستاذ علم الانثروبولوجيا الحربية غاستون بوتول أن حروب العرب و خاصة حطين من أجدر المعارك بتسميتها بحرب الاستنزاف الثانية في التاريخ

لعدم استغراقها في الوقت بقدر تقليصها للمساحة و العداد و العون المستمدة
فحطين بالمعنى الحربي مصيدة محكمة أرق فيها العدو ، و نسى ذاك العدو أنه بدأها بقتل زنكي ببداية الأمر .

و على هذا المنوال ، سلكت حماس نفس الطريق ، بخطط رصينة و أصيلة لخوض معركة طويلة الأمد مع الاحتلال الإسرائيلي، مكبدة إياه خسائر اقتصادية و اجتماعية و سياسية فادحة ،

ووضعته أمام خيارين إما الحرب المستمرة أو إيقاف الإبادة . و على ما يبدو ، آثرت إسرائيل الخيار الثاني الذي حولها لمجرد عبء ثقيل على حلفائها ، باعتراف باحثين منذ بداية الحرب

مثل جون ألترمان و روبرت كابلان ، و هما من أشد المناصرين لإسرائيل سياسيًا و أكاديميًا .

و يتصل كذلك الانهزام العسكري و الاستراتيجي و الأمني للاحتلال الإسرائيلي و الصليبي بمدى جهل و غرور و نشوة الطرفين بالانتصار الأولي على القادة متنسين أنها ليست سياسة تنبني على مصالح و أطماع توسعية ،

بل تتصل بالثقة و الإيمان ، بتعبير غربي بالهوية و الثقة و الامتثال لهما و التفكير بهما كما أكد المنظر الشهير فرانسيس فوكوياما في كتابيه الثقة و الهوية .

فحديث فوكوياما عن النظام السياسي يمكن تطبيقه على حماس بكافة شروطه ، عدا افتقار التنظيم الهيكلي فيها ،

فالتنظيم و التخطيط و الإعداد تتخطى مسألة العداد و العدة ، لمسألة الحق و العدل كما أكد ابن خلدون في مقدمة التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى