
تم افتتاح منتدى دندرة الاقتصادي بكلمة سمو الأمير هاشم الدندراوي، رئيس مركز دندرة التنموي، حيث عبّر في كلمته عن شكره وتقديره لجميع الحضور، ثم تطرق إلى رؤى وتوجهات اقتصادية هامة للمستقبل، مؤكداً على أهمية فن الإدارة المالية للاحتياجات المعيشية وجاء نص كلمته كالتالي….
الْعَيْشُ فَهُمْ وَإِدَارَةٌ وَالتِزَامُ
تَسَرَّبَتْ إِلَى ثَقَافَاتِنَا المَعِيْشِيَّةِ بَعْضُ مَقُولاتٍ تُؤَسِّسُ إِلَى نَهْجٍ غَيْرِ حَصِيْفٍ فِي إِدَارَةِ الأُمُورِ المَالِيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ الأَمْرُ الَّذِي سَاقَ الْكَثِيرَ مِنَّا إِلَى التَّغَافُلِ عَنْ قَصْدٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ عِنْدَ تَرْتِيْبِ خِيَارَاتِ الْإِنْفَاقِ، إِلَى الالْتِزَامِ بِالصَّرْفِ عَلَى الْكَمَالِيَّاتِ دُوْنَ الضَّرُورِيَّاتِ، فِي وَقْتٍ تَدْفَعُنَا الظُّرُوفُ الْمَعِيْشِيَّةُ إِلى التَّوْفِيْرِ وَحُسْنِ التَّصَرُّفِ.
وَقْتٍ تَصِلُ إِلَى أَسْمَاعِنَا مَقُولاَتٌ مِنْ نَوعِ: “اصْرِفْ مَا فِي الْجَيْبِ يَأْتِيْكَ مَا فِي الْغَيْبِ وَلَيْسَ الْمَقَامُ هُنَا – الْبَحْتَ عَنْ أَصْلِ هَذِهِ الْمَقُوْلَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمَقُولَاتِ غَيْرِ الْبَنَّاءَةِ، وَلَكِنْ مِثْلُ هَذَا اتِّجَاهٌ يَحْتَاجُ مِنَّا إِلَى وَقْفَةِ تَحْلِيْلٍ نُعِيدُ مِنْ خِلَالِهَا النَّظَرَ فِي مُمَارَسَاتٍ مَالِيَّةٍ مُسْتَحْدَثَةٍ وَدَخِيْلَةٍ عَلَى مُجْتَمَعَاتِنَا .
سَأُقَسِمُ كَلِمَتِي إِلَى مُنْطَلَقَاتٍ فِكْرِيَّةٍ عَلَّهَا تَكُوْنُ أَرْضًا خِصْبَةٍ لِّلْحِوَارِ وَالنِّقَاشِ؛ لِنَسْتَجْلِيَ مِنْ خِلَالِهَا سَبَبًا أَوْ مَجْلَبَةً لِأَلَمٍ يَئِنُّ مِنْهُ كُلُّ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا .. فَنَطْرَحُ علاجًا أَوْ دَوَاءً يُخَفِّفُ مِنْ حِدَّةِ تِلْكَ الْمُنَعِصَاتِ الْمَالِيَّةِ عَلَى مُسْتَوَى الْفَرْدِ وَالْعَائِلَةِ
الْمُنْطَلَقُ الْأَوَّلُ :
لِلرِّزْقِ أَبْوَابٌ يَحْتَاجُ فَتْحُهَا إِلَى أَسْبَابٍ
قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا قِسْمَةٌ وَضَمَانَةٌ إِلَهِيَّةٌ؛ لِطَمْئَنَةِ الْخَلْقِ أَنَّ اللَّهَ قَسَّمَ لَنَا الْأَرْزَاقَ بِكَرَمِهِ وَعَدْلِهِ وَأَنَّ مُطْلَقَ إِنْسَانٍ سَيَصِلُ إِلَيْهِ رِزْقُهُ طَائِعًا كَانَ أَمْ عَاصِيًا فَالرِّزْقُ يَطْلُبُ الْمَرْزُوقَ.
وَلَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالسَّعْيِ، وَبَذْلِ الْجَهْدِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَقَدْ وَجَّهَنَا الْمُعَلِّمُ الأَعْظَمُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ إِلَى أَهَمِّيَّةِ الْعَمَلِ وَالْجِدِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ صَوْنًا لِكَرَامَتِنَا وَدَفْعًا لِأَسْبَابِ الْحَيَاةِ.
وَكَثِيرَةٌ هِيَ الْأَقْوَالُ النَّبَوِيَّةُ الْعَصْمَاءُ الَّتِي تَدُلُّنَا عَلَى قِيْمَةِ السَّعْيِ حَتَّى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَاوَى بَيْنَ السَّعْيِ عَلَى الرِّزْقِ وَالْخُرُوجِ فِي سَبِيْلِ الله.. أَجْرًا
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ وُجُودِ اتِّفَاقٍ شِبْهِ عَامٍ عَلَى مَعْنَى الرِّزْقِ وَمَسَالِكِ السَّعْيِ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ يَحْبِسُ مَعْنَاهُ فِي الْمُكْتَسَبَاتِ الْمَادِيَّةِ الْمَلْمُوسَةِ، غَافِلِيْنَ عَمَّا يَكْتَنِزُهُ هَذَا الْمُفْرَدُ مِنْ مَعَانٍ وَاسِعَةٍ وَعَمِيْقَةٍ
وَلَرُبَّمَا تَكُونُ فُرْصَةً مِنْ خِلَالِ هَذَا التَّفَكَّرِ – نَرْتَقِي مِنْ خِلَالِهَا، عَتَبَاتٍ تَسْمَحُ بِتَوَسُّعِ النَّظَرِ فِي مَا يَحْوِيْهِ هَذَا الْمُفْرَدُ مِنْ مَعَانٍ تَفْتَحُ لَنَا صَدَفَةً مِنْ أَصْدَافِ الْمَعْرِفَةِ لِدُرُوبٍ مَكْنُونَةٍ لَاسْتِنْزَالِ الرِّزْقِ.
الْعَتَبَةُ الأُولَى: السَّيْرُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ .. مَجْلَبَةٌ لِلرِّزْقِ.
إِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي سَخَّرَهُ اللهُ لِلسَّيْرِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ يُعْقَدُ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ مَا تَمَنَّى، وَيُدْفَعُ عَنْهُ مِنَ الْبَلَاءَاتِ مَا يَخْشَى، يُسَخِّرُ اللَّهُ لَهُ مِنْ يَقْضِي عَنْهُ حَوَائِجَهُ.. إِنَّهُ إِنْسَانٌ مَرْضِيٌّ عَنْهُ مِنَ اللَّهِ، مَقْبُولٌ عِنْدَ النَّاسِ، مُحَبَّبٌ إِلَى قُلُوبِ الْخَلْقِ. وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ عَنْهُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “اللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيْهِ” حُكْمٌ نَبَوِيٌّ قَاطِعٌ أَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لَهُ الْعَونَ وَالْعِنَايَةَ. مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ إِلَى رَاحِمِيَّةِ التَّكَافُلِ بَيْنَ الْبَشَرِ.
الْعَتَبَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْرِفَةُ النَّاسِ كَنْزٌ.
إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَشَعَّبَتْ عَلَاقَاتُهُ الإِنْسَانِيَّةُ وَتَوَسَّعَتْ دَائِرَةُ مَعَارِفِهِ، تَتَعَدَّدُ لَهُ رَوَافِدُ الْأَفْكَارِ وَالْفُرَصِ، وَقَدْ تَفْتَحُ لَهُ العَلَاقَاتُ أَبْوَابَ شَرَاكَاتٍ تُهَيِّئُ لَهُ مَصْدَرًا لِلرِّزْقِ.. إِنْ أَحْسَنَ اسْتِثْمَارَهَا. وَكَثِيرَةٌ هِيَ الْأَخْبَارُ الَّتِي تَرِدُ إِلَيْنَا عَبْرَ قَنَوَاتِ الإِعْلَامِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنْ قِصَصِ لِشَرِكَاتٍ حَقَّقَ أَصْحَابُهَا أَعْلَى دَرَجَاتِ النَّجَاحِ، كَانَ أَسَاسُهَا لِقَاءً جَمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْ الْمَعَارِفِ وُلِدَتْ فِيْهِ فِكْرَةُ مَشْرُوعٍ، أَوْ مُنْتَجٌ كَانَ مِنْ نَصِيْبِهِ السَّبْقُ وَالتَّفَوُّقُ.
وَعَلَى الْعَكْسِ، فَالْإِنْسَانُ الْمُنْغَلِقُ الْمُنْطَوِي يَحْرِمُ نَفْسَهُ مِنْ فُرَصٍ كَثِيرَةٍ، وَقَدْ يَقُوْلُ قَائِلٌ .. وَلَكِنَّ هَذِهِ العَلَاقَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةَ تَحْتَاجُ إِلَى مَصَارِيْفَ وَنَحْنُ نُعَانِي مِنَ الْقِلَّةِ .. وَلِهَذَا الْقَائِلِ أُؤَكِّدُ أَنَّ الْعَلَاقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إِلَّا إِلَى الصِّدْقِ فِي التَّوَاصُلِ، تَوَاصُلٍ مَبْنِيَ عَلَى مَشَاعِرَ إِنْسَانِيَةٍ لا عَلَى مَصْلَحَةٍ. فَالصِّدْقُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مَالٍ لِإِثْبَاتِهِ.
وَحَيْثُ إِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنْ الْعَلَاقَاتِ، فَلَا يَسَعُنِي فِي هَذَا الْمَقَامِ إِلَّا أَنْ أُشِيْرَ إِلَى رَأْسِ الْعَلَاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ وَمَلِكِهَا الْمُتَوَّجِ .. التَّوَاصُلِ مَعَ الْقَرِيْبِ .. فَالْأَقْرَبُونَ أَوْلَى بِالْمَعْرُوفِ.
فَفِي صِلَةِ الرَّحِمِ رِزْقٌ لَا يَنْضَبُ وَخَيْرٌ لَا يَنْتَهِي، مَمْهُورٌ بِوَعْدٍ نَبَوِيِّ لِكُلِّ وَاصِلِ رَحِمٍ. فَيَقُولُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”.
الْمُنْطَلَقُ الثَّانِي: حِرَاسَةُ الرِّزْقِ بِحُسْنِ الْإِنْفَاقِ.
إِنَّ يَقِيْنَ الْإِنْسَانِ بِضَمَانِ وُصُولِ الرِّزْقِ، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَسْؤُولِيَّةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهِ بِحُسْنِ التَّدْبِيْرِ وَالتَّصَرُّفِ، فَلَا إِسْرَافَ وَلَا تَقْتِيْرَ . وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ احْتِيَاجَاتِ النَّاسِ وَتَرْتِيْبَ أَوْلَوِيَّاتِهِمْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طَبِيْعَةِ أَنْمَاطِ حَيَاتِهِمْ، إِلَّا أَنَّنَا مُطَالَبُونَ شَرْعًا وَعَقْلًا بِحُسْنِ التَّصَرُّفِ وَعَدَمِ الْإِسْرَافِ.
فَالتَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ. صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِنَّ الْمُرَاقِبَ لِدُنْيَا النَّاسِ وَالنَّاظِرَ إِلَى وَاقِعِهِمْ الْمَعِيُوشِ، يَعْلَمُ أَنَّ حُسْنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَى التَّدْبِيرِ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالْإِمْكَانِيَّاتِ الْمَالِيَّةِ فَصَاحِبُ الْقِلَّةِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ حِرْصًا فِي الإِنْفَاقِ مِنَ شَخْصٍ يَعِيْشُ فِي يَحْبُوحَةٍ .. إِذَنْ الْأَمْرُ لَا دَخلَ لَهُ بِقِلَّةِ الْمَالِ أَوْ بِوَفْرَتِهِ.. وَالسُّؤَالُ هُنَا – كَيْفَ نُؤْتِسُ لِلالْتِزامِ بِالْحِكْمَةِ فِي الصَّرْفِ وَالرَّشَادَةِ فِي الْإِنْفَاقِ؟
وَلِنُجِيْبَ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ.. كَانَ مِنَ الضَّرُوْرِيَ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى وَاقِعِ الْإِنْسَانِ الْمُعَاصِرِ وَمَا يُوَاجِهُ مِنْ إِغْرَاءَاتٍ تَدْفَعُهُ نَحْوَ إِنْفَاقٍ غَيْرِ مَسْؤُولٍ فِي تَرَفٍ وَمَظْهَرِيَّةٍ عَلَى حِسَابٍ ضَرُوْرِيَّاتِهِ أَوْ احْتِيَاجَاتِ أَهْلِ بَيْتِهِ.
فِي زَمَنِ الْفَضَاءِ الْمَفْتُوحِ أَصْبَحَ الْعَالَمُ يَصِلُ إِلَيْنَا أَيْنَمَا كُنَّا. انْتَقَلَ السُّوْقُ مِنَ الطُّرُقِ الْعَامَّةِ إِلَى خُصُوصِيَّةِ بِيُوتِنَا فَلَا حَقَّتْنَا عُرُوضُ الْمُنْتَجَاتِ وَدَخَلَتْ عَلَيْنَا مِنْ كُلِّ صَوْبِ وَحَدَبٍ ، فَبَاتَ الْوَاحِدُ مِنَّا هَدَفًا وَأَصْبَحَ مَالُهُ مُسْتَهْدَفًا .
فَرَضَ عَلَيْنَا عَالَمٌ جَدِيدٌ زَاهِيَ الْأَلْوَانِ وَاقِعًا افْتِرَاضِيًّا صُمِّمَتْ فِيهِ الْعُرُوضُ وَالْخَدَمَاتُ بَأُسْلُوبِ يُخَاطِبُ الْعَاطِفَةَ، كَمَدْخَلٍ لِإِشْبَاعِ الذَّاتِ. وَاقِعٌ غَرِيْبٌ عَنْ وَاقِعِنَا .. بَرَّاقٌ لَامِعٌ. يُدَغْدِعُ الْخَوَاطِرَ وَالْمَشَاعِرَ. تُوَجَّهُ عُرُوضُ السَّلَعِ إِلَى مُخَاطَبَةِ الأَنَا لَا الاحْتِيَاجَاتِ، بِرِسَالَةٍ مُبَاشِرَةٍ صِيْغَتْ صِيَاغَةً مُسْتَهْدِفَةً إِنِّيَّةَ الإِنْسَانِ، رِسَالَةٍ مِنْ صِنْفِ أَنْتَ تَسْتَحِقُّ هَذَا هِيَ رِسَالَةٌ سَهْلَةُ الاسْتِقْبَالِ وَالْقَبُولِ، فَمَنْ مِنَّا لَا يَرَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَفْضَلَ حَتَّى وَإِنْ كَانَ فَوْقَ طَاقَتِهِ الْمَالِيَّةِ.
وَنَحْنُ إِذْ نُثَمِّنُ هَذَا الزَّكَاءَ وَنُحِتِي أَصْحَابَهُ، إِلَّا أَنَّهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنْ نَفْطِنَ لِمَا يَحْدُثُ وَإِلَّا يَغِيْبُ عَنْ وَعْيِ إِدْرَاكِنَا أَنَّنَا نُتَحَوَّلُ إِلَى مُسْتَهِلِكَ مُقَيَّدٍ وَمُنْقَادٍ .. سَجِيْنِ رَغْبَةِ حُبِّ التَّمَلُّكِ .. مُسْتَعِدٍ لِأَنْ يَبْذُلَ الْمَالَ لِتَحْقِيقِهَا حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَتَنَاسَبْ ذَلِكَ مَعَ إِمْكَانَاتِهِ.
إِنَّ آلَةَ التَّسْوِيقِ أَوْ التَّشْوِيقِ فِي ظِلِ الْمُنَافَسَةِ الشَّرِسَةِ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْتَهْلِكِينَ، لَنْ تَقْبَلَ بِإِحْجَامٍ مُسْتَهْلِكَ عَنْ الشَّرَاءِ لِضِيْقِ ذَاتِ الْيَدِ.. فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْعَائِقُ لَا سَمَحَ اللهُ .. فَالْحَلُّ مَوْجُودٌ وَحَاضِرٌ تَسْهِيْلَاتٌ مَالِيَّةٌ مُقَابِلَ الشَّرَاءِ. حُلُولٌ تَمْوِيْلِيَّةٌ تُطْرَحُ عَلَيْنَا فِي سُهُولَةٍ وَيُسْرٍ .. حَتَّى إِنَّهُم أَعَادُوا تَسْمِيَةَ الدَّيْنِ، وَاخْتَارُوا لَهُ اسْمَ: تَسْهِيْلَاتٌ فِي الدَّفْعِ) نَقَبَلُهَا وَنَسْعَدُ بِسُهُولَةِ إِجْرَاءَاتِهَا رَغْمَ عِلْمِنَا أَنَّ فِي قَبُولِهَا إِرْبَاكًا لِلْمِيزَانِيَّةِ الْخَاصَةِ وَنِهَايَةَ اسْتَقْلَالِنَا الْمَالِيِّ.
هَا هُوَ الدَّيْنُ قَدْ تَسَرَّبَ إِلَى أَكْثَرِ بُيُؤْتِنَا .. ضَيْفٌ ثَقِيْلٌ.. دَخَلَ فِي حُلَّةٍ بَرَّاقَةٍ.. سُرْعَانَ مَا ذَهَبَ بَهَاؤُهَا وَبَقِيَ الضَّيْفُ الثَّقِيْلُ يُقَسِمُ مَعَنَا أَقْوَاتَنَا وَيُثْقِلُ كَاهِلَنَا بِفَوَائِدِهِ الْمُرَكَّبَةِ.
الْأَمْرُ يَسْتَدْعِي مِنَّا وَقُفَةً .. وَقْفَةَ مُرَاجَعَةٍ وَمُحَاسَبَةٍ.. إِذْ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنْطِقِ أَنْ يَكُونَ الأَسَاسُ فِي الاسْتِدَانَةِ الاسْتِثْمَارَ فِي عَمَلٍ فِيْهِ تَحْقِيقٌ لِطُمُوْحَاتِ الْمُسْتَقْبَلِ .. وَنَحْنُ نَسْتَدِيْنُ لِنُنْفِقَ عَلَى كَمَالِيَّاتٍ مُسْتَهْلَكَةٍ.
وَأَخْتَتِمُ كَلِمَتِي بِنَصَائِحَ ثَلَاثَةٍ أَرَى أَنَّهُ مِنَ الْمُنَاسِبِ أَنْ نَضَعَهَا مَوْضِعَ الْبَحْثِ وَالتَّنْفِيذِ حَتَّى نُأَسِّسَ لِثَقَافَةِ تَنْمِيَةِ الْمَالِ بِغَضَ النَّظَرِ عَنْ قِلَّتِهِ وَحُسْنِ التَّصَرُّفِ فِيْهِ.
أَوَّلًا: تَنْوِيعُ مَصَادِرِ الدَّخْلِ
إِنَّ الْإِنْسَانَ الجَادَّ، إِذَا عَقَدَ النِّيَّةَ عَلَى إِيْجَادِ عَمَلٍ إِضَافِيّ يُؤَمِّنُ لَهُ دَخْلًا فَإِنَّهُ لَا شَكٍّ سَيُوَفِّرُ الْوَقْتَ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ. وَكَثِيرَةٌ هِيَ الْمُبَادَرَاتُ الْمَطْرُوحَةُ لِتَمْوِيلِ مَشَارِيعَ صَغِيْرَةٍ، قَامَتْ بِدِرَاسَتِهَا هَيْئَاتٌ وَجَمْعِيَّاتٌ مُتَخَصِّصَةٌ فِي مَجَالِ تَنْمِيَةِ الْأَعْمَالِ.
ثَانِيًا: تَرْسِيْخُ ثَقَافَةِ الادِّخَارِ وَخَاصَّةً عِنْدَ الْأَطْفَالِ. ثَقَافَةُ الادِّخَارِ لَيْسَتْ مُتَجَذِّرَةً فِي مُجْتَمَعَاتِنَا الْعَرَبِيَّةِ، فَنَحْنُ لَمْ نَتَعَوَّدْ الْاذِخَارَ، وَبِالتَّالِي لَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ بُيُوتِنَا مَبْلَغْ مِنَ الْمَالِ مُجَنَّبٌ بِادِّخَارٍ يُعِيْنُنَا عِنْدَ الْحَاجَةِ.
إِنَّ الْاذِخَارَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِمَبْلَغ مُحَدَّد يُجَنَّبُ كُلَّ شَهْرٍ.. فَيُمْكِنُنَا الْبَدْأُ بِأَيِّ مَبْلَغَ مِنَ الْمَالِ مَهْمَا صَغُرَ حَجْمُهُ.. الْمُهِمُّ هُوَ جَرَيَانُ الْعَادَةِ عَلَى الادِّخَارِ. وَبِالنِّسْبَةِ لِلْأَطْفَالِ فَغْرَسُ هَذِهِ الثَّقَافَةِ يَبْدَأُ بِالتَّعْلِيمِ وَالْمُتَابَعَةِ وَمُوَاصَلَةِ النُّصْحِ .. فَلْيَبْدَؤُا بِادِّخَارِ مَا بَقِيَ مَعَهُمْ مِنْ قِطَعٍ نَقْدِيَّةٍ مَعَدِنِيَّةٍ مُمُارَسَةُ مُجَرِّبٍ نَتَائِجَهَا.
أَخِيْرًا: إِنْشَاءُ صُنْدُوْقٍ عَائِلِيّ لِمَوَاجَهَةِ الْأَزَمَاتِ الطَّارِئَةِ هَذِهِ النَّصِيْحَةُ مُوَجَّهَةٌ لِلْعَائِلَاتِ.. فَفِي الظُّرُوفِ الْحَيَاتِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ حِيْنَمَا يُمْتَحَنُ أَحَدُ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي ظُرُوفٍ خَارِجَةٍ عَنْ إِرَادَتِهِ تُلْزِمُنَا النَّخْوَةُ وَالشَّهَامَةُ أَنْ نَهُبَّ لِمُسَانَدَتِهِ ، إِلَّا أَنَّ عَدَمَ تَوَافُرِ السُّيُولَةِ فِي الْوَقْتِ الْمَطْلُوبِ، قَدْ يُعَطِّلُ هَذَا التَّكَافُلَ الْجَمَيْلَ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ إِنْشَاءَ صُنْدُوقٍ مَالِيَ لِلْعَائِلَةِ يُشَارِكُ فِيْهِ بِصِفَةٍ دَوْرِيَّةٍ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَبْنَاءِ الْعَائِلَةِ.. كُلٌّ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ .. سَيُوَفِّرُ رَصِيْدًا مَالِيًّا يُنْتَفَعُ بِهِ عِنْدَ الْأَزَمَاتِ. عَلَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الصُّنْدُوقُ تَحْتَ إِشْرَافٍ وَإِدَارَةٍ مَالِيَّةٍ دَقِيقَةٍ، وَتَخْضَعَ أَوْجُهُ الصَّرْفِ مِنْهُ لِنِظَامٍ حَاكِمٍ يُتَّفَقُ عَلَيْهِ كِتَابَةً قَبْلَ إِنْشَاءِ الصُّنْدُوقِ.. دَرَأَ لِلْمَشَاكِلِ.
إِنَّ الْحَيَاةَ كِفَاحٌ مُسْتَمِرٌّ .. فَظُرُوْفُ الْعَيْشِ تَتَبَدَّلُ وَتَتَغَيَّرُ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالسَّعَةِ، بَيْنَ شَظَفٍ وَبَحْبُوحَةٍ. ذَاكِرَتُنَا حَيَّةٌ، وَصَدَى صَوْتِ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ صُعُوْبَةِ ظُرُوْفِ الْعَيْشِ فِي أَزْمَانِهِمْ حَاضِرٌ فِي أَذْهَانِنَا. أَلَيْسَ زَمَنُهُمْ هُوَ مَا نُسَمِّيْهِ الزَّمَنَ الْجَمِيْلَ وَنَتَرَحَمُ عَلَيْهِ؟ إِنَّهَا الْحَيَاةُ أَيُّهَا السَّيِّدَاتُ وَالسَّادَةُ.. رِحْلَةٌ وَتَجَارِبٌ .. غَنِيُّهَا وَفَقِيْرُهَا فِي كِفَاحٍ لِلْحُصُولِ عَلَى مَا يَنْقُصُهُ، وَالْفَاهِمُ اللَّبِيْبُ هُوَ مَنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّ مِفْتَاحَ الْهَنَاءِ فِيْهَا هُوَ السَّتْرُ ..