
مدينة الجلالة.. مدينة الموت وآلام الحوادث المتكرر
بقلم/ د. لمياء حسان
في حادث مأساوي، تكررت فصوله في مصر خلال السنوات الأخيرة، ودّعت مصر عددًا من أبنائها طلاب جامعة الجلالة، الذين لقوا حتفهم نتيجة انقلاب حافلة كانت تقلهم على الطريق الجبلي الوعر الذي يؤدي إلى مدينة الجلالة.

وهذا الحادث ليس مجرد واقعة عابرة في تاريخ هذا المكان، بل هو جزء من سلسلة من الحوادث المتكررة التي تثير التساؤلات حول قرارات التخطيط والبنية التحتية في مصر.
وما الذي دفع الدولة لإنشاء مدينة وجامعة في منطقة جبلية خطيرة؟ وما الذي يعيق تقديم الحماية الكافية للطلاب؟ في هذا المقال، نستعرض تفاصيل هذا الحادث، ونحلل القضايا التي كشف عنها، ونتناول مسؤولية الجهات المعنية عن توفير وسائل نقل آمنة وبنية تحتية ملائمة في مدينة الجلالة.
مدينة الجلالة.. تخطيط محفوف بالمخاطر
مدينة الجلالة، التي تقع في منطقة جبلية صعبة التضاريس، تعد نموذجًا لسياسات التنمية غير المدروسة، فخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت المنطقة عدة حوادث مرورية أليمة، ذهب ضحيتها عشرات الطلاب والمواطنين، فالطريق المؤدي إلى مدينة الجلالة يُعتبر من أخطر الطرق في مصر، حيث يتطلب مهارات قيادة خاصة وحذرًا كبيرًا لتجنب الانزلاق أو فقدان السيطرة، خاصة مع السرعة الزائدة أو الظروف الجوية الصعبة.
والحادث الأخير الذي أودى بحياة 12 طالبًا من طلاب كلية طب الأسنان وكلية الصيدلة، ليس الحادث الأول، فهناك تقارير تشير إلى وقوع حوادث مشابهة في السنة الماضية أيضًا، حيث لقي عدد من الطلاب حتفهم في حوادث طرق داخل المنطقة نفسها.
وهذا التسلسل المأساوي للأحداث يجعل من الضروري التساؤل: لماذا تم اختيار هذا الموقع لإنشاء جامعة ومدينتها دون دراسة كافية للمخاطر المحتملة؟ ولماذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لتجنب هذه الحوادث؟
غياب البنية التحتية المناسبة في مدينة الجلالة
من أكبر المشكلات التي تواجهها مدينة الجلالة هي ضعف البنية التحتية، خصوصًا في ما يتعلق بالمواصلات والمرافق الصحية، فالطريق الجبلي المؤدي إلى المدينة يفتقر إلى معايير الأمان، حيث تنعدم الرقابة الكافية على وسائل النقل التي تقل الطلاب، بالإضافة إلى غياب أي وسائل نقل مخصصة تشرف عليها الجامعة بشكل مباشر.
كما أن مستشفى السويس، التي تُعد الوجهة الرئيسية لاستقبال ضحايا حوادث الطرق في هذه المنطقة، هي مثال صارخ على الإهمال، لأن المستشفى الذي يُفترض أن تقدم الرعاية الصحية الطارئة للمصابين، لا تمتلك التجهيزات الكافية لاستقبال مثل هذه الحالات الطارئة، ففي الحادث الأخير لم تتمكن المستشفى من توفير الرعاية اللازمة للجرحى، مما يعكس حجم الأزمة في النظام الصحي المحلي، خاصة في المناطق النائية مثل مدينة الجلالة.
مسؤولية الجامعات الخاصة في مدينة الجلالة
الجامعات الخاصة، مثل جامعة الجلالة، تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه طلابها، ليس فقط في تقديم التعليم، ولكن في ضمان سلامة الطلاب ورفاهيتهم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم تتخذ الجامعة الإجراءات اللازمة لضمان سلامة طلابها خلال تنقلاتهم اليومية؟
يجب أن تكون هناك رقابة صارمة على وسائل النقل، سواء من حيث حالة المركبات أو السائقين الذين يقودون هذه الحافلات، كما أن الفحص الدوري للسائقين والمركبات، وضمان عدم تعاطي المخدرات أو المواد المسببة للإدمان، يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من إجراءات الأمان، كما ينبغي للجامعة أن توفر وسائل نقل خاصة بها تحت إشرافها المباشر، وتكون مجهزة بأحدث وسائل السلامة.
ومن المؤسف أن حادثة هذا العام ليست الأولى من نوعها، ففي السنة الماضية، وقعت ثلاث حوادث أخرى على الطرق المؤدية إلى مدينة الجلالة، وكانت النتائج مدمرة أيضًا، حيث فقدت العديد من العائلات أبناءها في ظروف مشابهة، ورغم تكرار هذه الحوادث، لم نشهد أي تحرك جاد من الجامعة أو الحكومة لتحسين الظروف أو تأمين الطرق.
الأثر النفسي والاجتماعي لهذه الحوادث
الحوادث المتكررة في مدينة الجلالة لا تؤثر فقط على الطلاب وأسرهم، بل تترك آثارًا عميقة في المجتمع بأكمله، فعندما يخرج الطالب صباحًا إلى جامعته، فإنه يتوقع أن يعود سالمًا في نهاية اليوم، إلا أن هذا التوقع لم يعد واقعًا في مدينة الجلالة، وحالة الرعب والخوف التي تنتاب الأهالي يوميًا مع كل حادث تُظهر حجم المشكلة.
وإلى جانب ذلك، تُعاني المستشفيات المحلية من نقص في التجهيزات، مما يزيد من تفاقم الأزمات الصحية التي يواجهها المصابون في مثل هذه الحوادث، ومستشفى السويس التي تُعد المستشفى الرئيسي في المنطقة، تبدو أشبه بهيكل فارغ؛ فالمعدات الأساسية لعلاج الإصابات الخطيرة غالبًا ما تكون مفقودة، وهذا ما واجهه الطلاب المصابون في حادث مدينة الجلالة الأخير، فالأهالي يلجأون إلى الدعاء والصبر، ولكن الواقع يفرض ضرورة التحرك العاجل.
مدينة الجلالة.. هل هناك حلول؟
في ضوء هذه الحوادث المأساوية المتكررة، يجب على الحكومة والجهات المعنية إعادة النظر في عدة جوانب متعلقة بمدينة الجلالة:
1- يجب تحسين البنية التحتية للطريق المؤدي إلى المدينة بشكل عاجل، بما في ذلك توسيع الطريق وتزويده بإشارات تحذيرية وإنشاء محطات خدمات لتقديم المساعدة في الحالات الطارئة، كما يجب فرض رقابة صارمة على وسائل النقل التي تقل الطلاب، وضمان فحص دوري للمركبات والسائقين.
2- يجب على جامعة الجلالة أن تكون أكثر استجابة لاحتياجات طلابها، بدءًا من توفير سكن ملائم داخل الحرم الجامعي أو في مناطق قريبة تحت إشرافها، مرورًا بتقديم وسائل نقل آمنة، كما يجب أن تكون الجامعة مسؤولة بشكل مباشر عن ضمان سلامة طلابها خلال تنقلاتهم اليومية.
3- يجب توفير رعاية صحية متكاملة في مدينة الجلالة والمناطق المحيطة بها، ومن غير المقبول أن يكون هناك نقص في التجهيزات الطبية اللازمة للتعامل مع الحوادث الطارئة، خاصة في مستشفى السويس الذي يعد المستشفى الرئيسي في المنطقة، كما يجب أن تكون هناك خطة طوارئ متكاملة للتعامل مع أي حادث مماثل في المستقبل، تضمن تقديم الدعم الطبي والنفسي للأسر المتضررة.
مدينة الجلالة.. إلى أين؟
في النهاية، تبقى مدينة الجلالة شاهدًا على سلسلة من الأخطاء في التخطيط والإدارة، فلا يمكن التغاضي عن حقيقة أن إنشاء مدينة وجامعة في منطقة جبلية وعرة يضع حياة آلاف الطلاب على المحك، والحكومة والجامعة تتحملان المسؤولية الكاملة عن حماية هؤلاء الطلاب، وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث المأساوية.
ومدينة الجلالة كانت يمكن أن تكون رمزًا للتنمية والتعليم، لكنها أصبحت، للأسف، رمزًا للإهمال والاستهتار بحياة الطلاب، ومن الضروري أن تتخذ الجهات المعنية خطوات جدية وفورية لمعالجة هذه المشكلات، حتى لا نصحو مجددًا على فاجعة أخرى.






