
بقلم نورهان حماده
الطعام بصفة عامة يُعد واحدة من أبرز الوصفات التي تعبر عن الهويات الثقافية والتاريخية، فهو يعكس كثيرًا من الخصوصيات التاريخية والجغرافية لكل بلد. وما بين أطباق التبولة والفتوش التي يشتهر بها المطبق اللبناني، نجدُ طبقًا غريبًا يحمل في أعماقه روايات مثيرة للجدل، إنه اللحم النيئ، الطبق الذي يتفاجأ به كثير من السياح العرب وغيرهم عند زيارتهم للبنان، بل ويعد الوجبة المفضلة في مناطق كثير بلبنان، كيف يرى اللبنانيون اللحم النيئ في ذاكرتهم الجماعية؟
*أكثر من مجرد طعام: الحمة النيئة في الذاكرة الشعبية*
من وسيلة للبقاء على قيد الحياة في أوقات الحروب والمجاعات، إلى أكلة شهيرة وجزء لا يتجزأ من المطبخ اللبناني، هكذا يروي الكثير من أبناء هذا الشعب قصة أكلة الكبة النيئة المعتمدة على اللحم النيئ.
تُرجع فاطمة، 25 عام، لبنانية: أن العديد من أبناء الشعب يرون أن السبب الرئيسي وراء هذه الأكلة يعود إلى قصة تاريخية تداولها الأبناء جيلًا بعد جيل، هذه القصة تحكي المعاناة التي عانها أبناء بلدة “بشري” اللبنانية، والتي حاصرها المماليك قرابة السبعة أعوام، حيث اختبأ المسيحيون في الوديان المختلفة بين الأشجار والجبال، وخلال تلك الأحداث يقال أن الأهالي اضطرت إلى اللجوء لأكل اللحم النيئ مضاف له بعض البهارات بدون طهي أو اشعال للنيران حتى لا يلفتوا أنظار الجنود إليهم.
لا تقتصر روايات اللحم النيئ على المطبخ اللبناني فقط، بل أن هذه الأكلة تمتد لتشمل المطبخ الشامي بما فيه الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين أيضًا، ولكل من تلك البلدان روايتها الخاصة مع أكل اللحم النيء.
ففي سوريا، يروي مصطفى 30 عامًا، أن أكل اللحم النيئ في بعض المناطق بسوريا يعود إلى آلاف السنين، حيث تعود قصة الأكلة إلى جبال الإسكندرون التي شهدت العديد من الصراعات في شمال سوريا وجنوب فلسطين، كان سكان تلك المناطق يشتهرون بأكل اللحم النيء والتي ظلت من الأكلات التي توارثها الأجيال جيلًا بعد جيل.
*حصار المماليك: هل ولدت عادة أم أماتت تقاليد؟*
بالعودة إلى التاريخ، نرى أن بلاد الشام قد شهدت حروبًا متكررة خلال فترة حكم المماليك وليس حصارًا واحدًا، تلك الحروب أثرت على الكثير من نواحي الحياة في مختلف المجالات، لعل أبرزهم مجال الزراعة حيث تسببت الحروب في تدمير الأراضي الزراعية وتعطيل الحياة الاقتصادية ومن ثم تسبب ذلك في تعرض البلاد لنقص كبير في الغذاء.
حاول سكان هذه البلاد التكيف مع الأوضاع، فلجأ الكثيرُ من السكان إلى استراتيجيات مختلفة تساعدهم في البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك جمع النباتات البرية وكذلك تناول الأطعمة غير التقليدية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء آن ذاك وصعوبة الحصول عليه، ما تسبب بدروه في انتشار المجاعات بين الشعب والتي تدهورت معها الأوضاع الصحية للسكان.
*اللحمة النيئة تحت المجهر: فوائدها وأضرارها الصحية*
على الرغم من وجود بعض الفوائد المحتملة لتناول اللحوم النيئة مثل الحفاظ على بعض الإنزيمات والفيتامينات في الجسم، وعلى الرغم أيضًا من وجود الكثير من الأطباق الشهيرة التي تعتمد على اللحوم النيئة، إلا أن هناك بعض الأضرار الصحية الكبيرة التي لا يجب تجاهلها على الإطلاق، حيث حذر “دارين ديتويلر”، الخبير في السياسة الغذائية بجامعة نورث إيسترن، من المخاطر المحتملة لتناول اللحوم النيئة، الإصابة بالعديد من الأمراض التي يمكن أن تنقلها الأغذية.
كما تشير مراكز الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أن اللحوم النيئة، سواء كانت اللحم أو الدواجن على وجه التحديد، من الممكن أن تسبب الكثير من الأمراض من بينها السالمونيلا والإشريكية القولونية والتي تؤدي إلى تعرض الإنسان إلى أمراض خطيرة متلاحقة قد تسبب الوفاة في كثير من الأحيان، ما يجعل طهي اللحوم واحدة من الطرق الأكثر أمانًا على صحة الإنسان.