24 ساعة

استباق للحرب أم خطوة تخويفية :تفسير اختيار إسرائيل للحرب السيبرانية بصفتها ممهدًا للحرب الشاملة

بقلم /مصطفى نصار.

حادث غامض المعالم :تفاصيل تفجير أجهزة البيجر.

في حادث غير مسبوق ، تفجرت عدد من أجهزة البيجر يوم الثلاثاء، و هو جهاز لا سكلي ابتكر في الثمانينات من القرن الماضي لإرسال إشارات لاسكلية و تنبؤات إشعاراية للمتصل قبل ظهور الهواتف المحمولة ، في لبنان في أماكن تجمعات للجبهة الشمالية مع الحدود في الأراضي المحتلة، و أسفر عن قتل ٢٨ و إصابة ما بين ٣٢٥٦ و ٣٦٠٠ فرد مما يعد الهجوم الأكبر على حزب الله من إسرائيل بطريقة غير مباشرة.

اخترقت إسرائيل بذلك قواعد الاشتباك مع لبنان لتنتقل لمرحلة جرائم الحرب عن بعد ، بإيذائها للمدنيين العزل و إصابتها بإصابات خطيرة أسفرت عن عدة نوايا خبيثة للتفخيخ و الاستهداف المباشر للبنان ، منها على سبيل المثال إرادة نتنياهو و حكومته المتطرفة جر القدم اللبنانية لتوسيع رقعة الصراع لتشمل محور المقاومة بالأكمل من لبنان و سوريا و اليمن و إيران ،متضمنة رسالة مفادها أيضًا المعرفة الشاملة و الكشف الكامل من إسرائيل لكامل مفاصل قوة حزب الله .

يطرح ذلك أيضًا عدة تساؤلات حول ملابسات الحادث و التصعيد مع إسرائيل لتضارب الروايات حول حدوثها ، لكن الرواية الأكثر ترجيحًا هي أن تم زرع مواد متفجرة في الشحنة التي وصلت للحزب في مارس الماضي، و قد نفت الشركة التايوانية “جولد أبولو”مسؤوليتها الكاملة عن ذلك معللة ذلك باتفاقها مع شركة أوربية لتصنيع البيجر كوكيل دولي يضمن للشركة حقها .

و يطرح تفسير آخر عن وكالة سي إن إن الأمريكية أن الأجهزة انفجرت نتيجة اختراق سيبراني عالي التقنية نسق من أجل وزارة الدفاع و الجيش الصهيوني من أجل أن توجه ضربة قاسية لحزب الله في عقر داره و أن يعلم مدى ضعف ضرباته الصاروخية التي توصل لتل أبيب.

و قد انفجرت أيضًا أجهزة الويكي توكي الذي يتحدث من خلالها أعضاء الحزب صوتيًا في داخله ، و تعد إسرائيل تلك الاختراقات ناجحة من خلال الاجتماع الذي عقد يوم الاثنين الماضي ١٦ سبتمبر للتصعيد مع الجبهة الشمالية و ما زاد الأمر وطأة و تعقيدًا موت السفير الإيراني في لبنان وفقًا لما ذكرته وكالة مهر الإيرانية ، حتى أن الحزب أصدر بيانًا مسجلًا و خرج الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ليعلل أن ذلك بسبب نجاح ضربات حزب الله في اختراق المجال الجوي الإسرائيلي عدة مرات و زلزلت إسرائيل باعتراف قادتها .

و ما زال السيناريو غامضًا حول بعض الأسئلة التي تحوم حول الحادث، بداية من توقيته مرورًا بما تخفيه إسرائيل من رغبة دفينة حيال الأسرار التي تخفيها و خاصة بعد نتائج الاجتماع المعقود يوم الاثنين و تغريدات مسؤولين إسرائيلين كبار على رأسهم وزير الدفاع يوآف غالانت و مستشار نتنياهو للشئون الأمنية و العسكرية ، مع الوضع في الاعتبار تأخر رد إيران سواء على اغتيال إسماعيل هنية أو السفير الإيراني في لبنان . و ما زاد الأمر غموضًا تمركز القوات الإسرائيلية على حدود لبنان مما يثير التساؤلات و الشك حول احتمالية توسع رقعة الحرب وسط تردي و اضمحلال القطاعات اللبنانية المدنية من الصحية للعسكرية للتعليمية ، و ماهية الاستراتيجة الإسرائيلية في اختراق الحزب اللبناني و الوصول لتفاصيل اتصالات الحزب الداخلية ، و عما كان الاختراق جاء نتيجة تؤاطو أم اتفاق بين الشركة المصنعة و إسرائيل.

التفجير ممتد :سياسة إسرائيل التفجيرية من غزة للبنان .

يوجد تاريخ طويل للتفجيرات الداخلية من إسرائيل لحركات المقاومة الفلسطينية سواء عبر العملاء أو التجسس على الهواتف العادية ذات الزارير ، فتلك العمليات الخسيسة تمثل نقلة نوعية و نصرًا إستراتيجيًا لهم لعدم قدرتهم على قتلهم في أرض المعركة . فهي بالنسبة لهم بديل أمن و سليم و قاسم في الوقت ذاته .

و من أشهر تلك الحوادث الإغتيالية حادثة اغتيال المهندس يحيى عياش في نوفمبر ١٩٩٨ ، عن طريق التفخيخ لهاتفه بعد الوشاية من أحد أقارب القيادي أسامة حمدان آنذاك، فقتله و هو ابن ال٢٥ عام .

ووفقًا لعالم الاجتماع و السياسة صامويل كاتز ، فإن انتصار إسرائيل على عياش ليست مجرد نصر ، بل خيانة من أقرب المقربين له . و من نتائج تلك العملية أن إسرائيل بثت التدريبات المؤدية لها في معسكرات التدريب ، و احتفلت باستشهاد المهندس الذي أذاقهم الولايات و العذاب .

و المرة الثانية فاغتالت القيادي البارز في العملية المشهورة المعروفة باسم حد السيف نور بركة في ١١ نوفمبر ٢٠١٨ ،حيث شكت المجموعة في عربيتين ميكروباص فوسلفاجن ، و عربة بورش بها مجموعة من الدروز و المستعربين العملاء ، و من أن اجتمعت المجموعة حول الميكروباص انفجرت القنبلة المزورعة بالداخل و استشهدت المجموعة بأكملها.

و استمرت السلسلة الحقيرة تلك مع محمد الضيف و كفر الذويادة في ٥ مارس ٢٠١٨ حينما زرعوا قنبلة موقوتة تحت ذريعة أنها منطقة خطرة عن طريق فلسطينين تنكروا بهئية أفراد من المقاومة ، و بالفعل انفجر المبني المزورعة تحته القنبلة ، و تمت العملية بنجاح و الاغتيال الذي نجم عنه استشهاد ٣٠ فردًا آنذاك .

و من خلال ذلك التاريخ، فلا بأس أن تحدث العملية بهذا الكبر و الحجم لتفوق إسرائيل في المجال السبيراني و امتلاكها لتقنيات التجسس و الاختراق الهاتفي ، عن طريق عدة أدوات و تقنيات مثل بيجيسوس و غيسيل الذي اشتراه على سبيل المثال رؤساء دول منهم بوتين و ترامب و سيريل راموفوزا رئيس جنوب أفريقيا.

و في كتاب القضية الفلسطينية، يفرد الدكتور محسن محمد صالح التاريخ الكامل للاغتيالات التجسيسة الذي اغتيل فيها ما لا يقل عن ٤٥ قائد عسكري من حماس معظمهم قادة مثل عماد الغول و حسين سلامة و غيرهم الكثيرين، و لحزب الله أيضًا تاريخ من الاغتيالات على رأسهم و أحدثهم فؤاد شكر الذي قذفت إسرائيل منزله في ٣٠ يوليو الماضي قبل اغتيال أبو العبد إسماعيل هنية رحمه الله.

منطقة على فوهة بركان….سينايورهات قيام الحرب بين حزب الله و إسرائيل.

هناك سينايورهان للحرب في لبنان على غرار اقتحام عام ١٩٨١ ، الأول هي الحرب المباشرة معها من خلال المعارك المباشرة التي تتطلب وقتًا و مجهودًا طويلًا و تجهيزات . لكن في تلك الحالة هي بحق الحالة الأرجح لإسرائيل و حكومة نتنياهو لإنهاء صداع المظاهرات المستمرة المطالبة بإنهاء الحرب و إطالة مدة حكمه ، بالإضافة إلى أن حجة الحرب لديه مسكن جيد للمعارضة الإسرائيلية.

يتعلق السيناريو الثاني في الحرب بعملية إنهاك داخلي و ضربات استباقية تربك حزب الله و تثبت قوة إسرائيل الاستخاراباتية ، مما قد يجهز للتوسع لعدة ضربات توسعية في الأراضي اللبنانية . و قد اتبعت إسرائيل هذه الفكرة في ضربات ما قبل ٥ يونيو ١٩٦٧ حينما ضربت الطيران المصري قبل احتلال سيناء و الجولان ، و إلحاق الهزيمة العسكرية الأكثر خزيًا و عارًا على مدار التاريخ.

و عند التوسع المرتقب للحرب ، فليس من المتوقع أن تهدأ المنطقة المشتعلة بالأصل ، بل على العكس ستشارك حلفاء إيران في الحرب من أول الحوثيين في اليمن ، حتى المقاومة الإسلامية في العراق ، و ستكبد المنطقة العربية كلها خسائر اقتصادية و اجتماعية و خصوصًا دول الطوق مصر و الأردن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى