
كتبت: نورهان حماده
في أحد أحياء القاهرة القديمة، حيث الضوء يخترق العتمة بشق الأنفس، وبالتحديد في منطقة الجمالية، هناك عاش نجيب محفوظ لعقود طويلة، يرصد من خلال كتاباته تفاصيل الحياة اليومية، كاشفًا عن ما يدور في أعماق النفس البشرية. اليوم، وبعد مرور ١٨ عامًا على رحيله، ما زالت كلماته تلهم الحكمة وتضيء عقول الكثير من القراء.
رحل نجيب محفوظ، لكن كلماته لا تزال تتنفس في كل حرف كتبه، كلمات استطاعت أن تعبر حدود الزمان والمكان بل وتتجاوزه، تمكن من خلالها أن يشكل وعي أجيال كاملة، وأن يترك بصمة في وجدان كل قارئ، تاركًا إرثًا أدبيًا ألهم أجيال من المثقفين والكتاب.
وراء القلم: نجيب محفوظ الإنسان
رغم كونه عملاقًا أدبيًا، إلا أنه كان إنسانًا متواضعًا قبل كل شيء، فقد أثرت تجاربه الشخصية وحبه لوطنه مصر على كتاباته، لم ينس الحارة التي نشأ بها، فكانت مصدر إلهامه التي استمد منها رواياته، تلك التفاصيل الخاصة بالحارة وشوارعها ومعاناة أهل الحي، كان لها أثرًا عميقًا على كتاباته التي رصدت بكل صدق وشفافية معاناة الشعب المصري وآماله وطموحاته.
وعلى الرغم من شهرته العالمية، إلا أن محفوظ كان يتمتع بقدر من البساطة التي كانت تظهر في حديثه العفوي في كثير من حواراته ومقابلاته، وحتى اللحظات الأخيرة في حياته، لم تقيده شهرته من الجلوس برفقة أصدقائه في المقاهي الشعبية.
الرمزية المكانية في روايات محفوظ
لم يكن اختياره للأمكنة في روايته مجرد خلفيات للأحداث؛ بل كانت رموزًا حقيقية تعكس بكل عمق حالة المجتمع المصري وتطوره. فالحارة كانت تمثل له الوطن الكبير بما يحمله من تحديات وتناقضات، وأما النيل فقد عبر به عن الحياة والأمل والتجدد، وأما شخصياته التي تعمد تجسيدها بكل تفاصيلها مثل “السقا” و “الشيخ إمام”، فكانت تمثل له القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، لقد أعطت تلك الرمزيات عمقًا أدبيًا ظل خالدًا في رواياته إلى اليوم.
ولأن “الحياة رحلة طويلة مليئة بالمفاجآت” كما قال نجيب محفوظ، فقد رحل عنا بجسده، إلا أن رحلته الأدبية لا تزال طويلة مستمرة مليئة بالإلهام..