سياسة

بنغلاديش قصة بلد حزينة من الاحتلال للانتفاضة.

بقلم /مصطفى نصار

لدي أقاويل أخرى: مقدمة في الاحتلال الإنجليزي لشبه القارة الهندية .

في كتاب حضارات الهند ، يطرح المؤرخ و المفكر غوستاف لوبون التاريخ الطويل و المتشعب الخاصة بحضارات الهند منذ أن كانت شبه قارة يحكمها الوثنيين و الهندوس إلي أن أتى الفتح الإسلامي للهند ، و الهند هنا اشتملت على شبه القارة بأكملها تشتمل الهند و بنغلاديش و باكستان بلغة الدول الحالية على يد أسامة الثقفي ابن أخ الحجاج بن يوسف الثقفي في عام ٢٥٦ م .

و يستطرد لوبون ليفصل كثيرًا في تاريخ الهند في الحضارة الإسلامية حيث عدد محاسن الإسلام من معاملة أخلاقية و تحديد القوانين الحاكمة و احترام الاختلاف و عدم الإجبار فمثل البلاد خير تمثيل و حكم أفضل حكم بما يرضي شريعة الله ، مما أدى لتحقيق نهضة علمية و فلسفية في مختلف المجالات مثل البيروني و ملا قارة على و الحاكم النسيابوري ، و يستعجب لوبون من تلك النهضة السريعة استعجاب المتأمل العارف بأسبابها و مآلاتها و نتائجها ، فلوبون رغم تطرفه و تزمته المعهودة إلا أنه لم يجد مفرًا من الإنصاف و المحاباة الإيجابية للدين في كتابه السالف ذكره و حضارة العرب الذي أكد فيه أن “الإسلام أنشأ منظومة متكاملة من الأخلاق و القانون و المعارف تمكن بها من إنشاء حضارة” ذات ثقافة صلبة و مرنة في نفس الوقت حتى جاء القرن التاسع عشر.

في القرن التاسع عشر ، تمكن الإنجليز من احتلال الهند كاملة تحت قيادة الأمير بهادر شاه الصلب ، و من قوة صلابته و جلده و إيمانه بليل أنه حينما عزم على الغذاء و رأي رؤوس أبناءه الثلاثة مقطوعة أمامه لم يمرش له جفن بل قال جملته الشهيرة “أنني سلمتهم شهداء لله رب العالمين”، و بعدها قتلوه بدم بارد لينتهي بذلك أهم حاكم إسلامي و أكثرها خبرة بعد تخريب سلالة جلال الدين أكبر بحسب المؤرخ الباكستاني الشهير اشتياق حسن قريشي ، حتى جاء حفيده التقي اوزغاري و طهر البلاد من بلاوي الدين الإلهي الذي صكه أكبر ، و غير الانجليز التركيبة السكنية و الدينية ليمسك المناصب الصعبة و الحساسة هندوس من جماعات متطرفة على رأسها جماعة الهنددوتوا ، و الذي وصفها الدكتور ظفر الإسلام خان بأنها متقاربة من الصهيونية باعتبارها حركة قومية .

و في عام ١٩٦٨، عقب استقلال غاندي بالهند شبه القارة ، مثل الهند بوثيقة مبادئ نسقها مع مؤسس باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليًا) و الغربية محمد على جناح ، و رجال الدين من الحركة الإسلامية في بادئ الأمر اعترضوا بشدة على تلك الوثيقة التي تقلل من صلاحيات و التزامات جناح ، فلما وجدها منقصة من حقه و غير مجيدة انفصل عن الهند بالأكمل مخالفًا بذلك توقعات حتى الحركة الإسلامية التى رأت نفسها جزءً من الهند التاريخي كما يسميها العلامة أبو الأعلى المودودي ، و اعتبر جناح بذلك ليس متدينًا حقيقيًا ، و أنهم الأحق بتولية السلطة باعتبار أنهم شاركوا في النضال المسلح ضد الإنجليز منذ الأربعينات من القرن الماضي .

باكستان و بنغلاديش:الأختان المفصولتان من العسكر قسرًا .

انفصل جناح بباكستان الشرقية و الغربية في الخمسينات من القرن المنصرم ، مما ترك صدمة غريبة لدى الباكستانين باعتبارهم عاشوا طيلة تاريخهم هنودًا و في ليلة و ضحاها أصبح لهم هوية جديدة بأمكنة مرسومة لهم من قبل انجلترا و مندوبها في الراج البريطاني، مما سبب لهم نوعًا من الارتباك و الالتباس الذي أفاقوا عليه مع موت عبد الغفار على بوتو الرئيس المنتخب المعدوم في ١٧ يونيو ١٩٧٤ ، و انفصال الشقيقة الصغري بنغلاديش عام ١٩٧٠ من رد العسكر الباكستاني الرافض لدفع التعويضات على فيضان بولا الذي تسبب في وفاة ما يقارب من ٥٠٠ ألف بنغالي ، و أعمل فيهم الرصاص و مارس العنف المفرط .

و ساعدت الهند آنذاك قائد الجيش الانفصالي مجيب الرحمن قائد الجيش و بالعتاد و مؤسس الحزب “رابطة عاموني ” .و السلاح لينفصل ببنغلاديش ، فقاد حرب ضروس بدافع الانفصال عن باكستان و نتجت عن تلك الحرب الضروس موت ما يترواح بين ١٥٠ و ٥٠٠ ألف بنغالي . و بالطبع ، عارضت الحركة الإسلامية الباكستانية بكلا شقيها تلك الحرب العبثية الدموية المجنونة ، و منهم غلام أعظم و مطيع الرحمن نظامي و عبد القادر ملأ و التي عدمتهم حسينية واجد و قتل مجيب الرحمن في أول انقلاب عام ١٩٧١ . و عدم عبد الغفور بوتو من الجيش لرغبته الملحة في كبح شهيتهم المفتوحة في الثراء و السلطة و السيطرة التامة على المجتمع كما قال في كتابه المفتوح لماذا تم اغتيالي؟!

و عقب الانقلاب الأول سيطر العسكر على مفاصل السياسة و الصناعة و المجتمع و القانون بجميع مجالاته و أركانه ، و لكنه لم يتمكن من الحكم الدائم المباشر مخافة أن تسقط في الحرب الأهلية أو الانتفاضات المتتالية التي قد تسقط النظام العسكري للأبد ، فاضطروا لفتح المجال السياسي قليلًا على الحزبين المعروفين حزب الشعب الباكستاني، الحزب الشيوعي ، و الحركة الإسلامية في بنغلاديش الامتداد الطبيعي لحركة أبي الأعلى المودودي و التي منعت من مارس ١٩٧١ ، ليونيو ١٩٧٦ أي خمس سنوات كاملة .

و للحركة الإسلامية عدة إنجازات في النهضة الاقتصادية الخفيفة التي حدثت في عهد خالدة ضياء و حسينية واجد في فترتها الأولى المتمدة من ١٩٩٦ ل ٢٠٠١ و في فترة الانقلاب العسكري الأخير على يد حسين إيثار عام ١٩٩٥.

و ها هو الشعب قد قال كلمته بعد ٥٠ عام من الحكم العسكري الجائر بدأها بشبابه ثم وحدوا أولئيك الطلبة لجميع أطياف الشعب تحت مطالب مشروعة تتضمن الاعتراف بدولة مدنية تجمع الجميع و إلغاء جميع السياسات العنصرية و الأهم من هذا كله خروج الجيش من السياسة لحماية الحدود و الأمن الوطني، في تعبير صادق و رغبة عميقة واعية تفيد بالتعلم من الآخرين و خاصة العرب في فترتي الربيع العربي و ما بعدها الذي أشار لها الباحث الإيراني و أستاذ علم الاجتماع آصف بيات أنها ثورة بلا ثوار في دليل على عشوائيتها و عدم وجود خطة للقضاء على الدولة العميقة الموجودة مع نشأة تلك الدول على الطراز الحديث وفقًا لجويل ميجدال و ستفيان فيليو .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى